للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَبْصِرْ ايها المبصر باغلالهم وسلاسلهم يَوْمَ يَأْتُونَنا للعرض والحساب مضطرين مسحوبين لكِنِ الظَّالِمُونَ الخارجون عن مقتضى أوامرنا ونواهينا الْيَوْمَ اى في النشأة الاولى فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وجهل عظيم من اهوال يوم القيمة وافزاعه

وَأَنْذِرْهُمْ يا أكمل الرسل من عندك يَوْمَ الْحَسْرَةِ المعدة للجزاء بحيث لا يمكن فيها التلافي والتدارك على ما فات سوى الحسرة والندامة الغير المفيدة إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ ونزل العذاب وقد مضى زمان امتثال المأمور به وَالحال انه هُمْ فِي غَفْلَةٍ وغرور عن مضيه وَبالجملة هُمْ لا يُؤْمِنُونَ ولا يصدقون بإتيان هذا اليوم الموعود على ألسنة الرسل والكتب كيف لا يصدقون هذا اليوم أولئك الكاذبون المكذبون المستغرقون في بحر الغفلة والضلال التائهون في تيه الغرور

إِنَّا من مقام قهرنا وجلالنا نَحْنُ بانفرادنا ووحدتنا نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها بعد انقهارها واضمحلال اجزائها وتشتت أركانها بمقتضى القدرة الغالبة بحيث قد صار كل من عليها فانيا ولم يبق سوى وجهنا الكريم وصفاتنا القديمة فانقلبت تجلياتنا المتشعشعة المتجددة عن هذا النمط البديع الى نمط أبدع منه وأكمل إذ نحن في كل يوم وآن في شأن ولا يشغلنا شأن عن شأن وَكيف لا نرث من على ارض الوجود وفضاء الشهود إذ الكل إِلَيْنا يُرْجَعُونَ رجوع الظل الى ذي الظل والأمواج الى البحر والأضواء والاظلال الى الشمس وبعد رجوع الكل إلينا أنادي من وراء سرادقات عزنا وجلالنا لمن الملك اليوم وأجيب ايضا من ورائها إذ لا مجيب في الوجود سوانا لله الواحد القهار للاظلال والأغيار

وَاذْكُرْ يا أكمل الرسل فِي الْكِتابِ المتلو عليك المنزل إليك جدك إِبْراهِيمَ ومحامد أخلاقه ومحاسن شيمه وأطواره لتنتفع بها أنت ومن تبعك من المؤمنين وتمتثل بأخلاقه أنت وهم إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً صدوقا مبالغا في الصدق والصداقة وتصديق الحق وتوحيده نَبِيًّا من خلص الأنبياء اذكر أوان انكشافه وايقاظه من منام الغفلة التي هي عبادة الأوثان والأصنام

وقت إِذْ قالَ لِأَبِيهِ

مستنكرا عليه متعجبا من امره مناديا له رجاء ان يتفطن ويتنبه بما تنبه به هو يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ

وتطيع ما لا يَسْمَعُ

اى شيأ لا يقدر على السمع وَلا يُبْصِرُ

وايضا لا يقدر على الأبصار والمعبود لا بد من ان يرى ويسمع احوال عباده ويعلم حاجاتهم ومناجاتهم

وَإذا لم يسمع ولم يبصر لا يُغْنِي

ولا يدفع عَنْكَ شَيْئاً

من مكروهاتك ولا يعينك فلا يصلح إذ للالوهية والربوبية فلم عبدت وأطعت له مع انك قد نحته بيدك وأظهرت أنت هيكله وشكله والعجب منك كل العجب انه مصنوعك وقد أخذته الها صانعا لك معبودا مستحقا للعبادة مع انك قد كنت من ذوى الرشد والعلم وهو جماد فلا شعور له أصلا

يا أَبَتِ إِنِّي وان كنت ابنك أصغر منك لكن قَدْ جاءَنِي ونزل على مِنَ الْعِلْمِ من قبل الحق مع صغر سنى ما لَمْ يَأْتِكَ مع كبرك إذ الفضل بيد الله وبمقتضى ارادته يؤتيه من يشاء فَاتَّبِعْنِي اى اتبع أنت بما نزل على من قبل ربي من خلوص الاعتقاد أَهْدِكَ انا بتوفيق الله وإرشاده صِراطاً سَوِيًّا موصلا الى المعبود بالحق وتوحيده

يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ بعبادة هذه التماثيل الباطلة والهياكل العاطلة إذ ما هي الا باغوائه وتضليله إذ هو عدو لك ولأبينا من قبلك عداوة مستمرة إِنَّ الشَّيْطانَ المغوى المضل عن طريق الحق قد كانَ من الأزل الى الأبد لِلرَّحْمنِ المفيض لأصناف الخيرات وانواع السعادات سيما الايمان والعرفان المنجى من انواع الحرمان والخذلان عند لقاء الحنان المنان عَصِيًّا قد عصى هو بنفسه وانتظر لعصيان غيره وسعى بإضلاله وتسويلاته

<<  <  ج: ص:  >  >>