للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طينتهم ودنائة طبعهم وقساوة قلبهم وشدة عداوتهم مع المؤمنين وسوء صنيعهم مع الأنبياء الماضين كرر خطابه سبحانه إليهم ثالثا بما سبق ثانيا مبالغة وتأكيدا تلطيفا وامهالا كي يتنبهوا ومع ذلك لم يتنبهوا لخبث طينتهم فقال يا بَنِي إِسْرائِيلَ المعرضين عنى بأنواع الاعراضات والمعترضين على آياتي بأصناف الاعتراضات قد مضى ما مضى اذْكُرُوا واشكروا عموم نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ بمقتضى فضلي وإحساني إليكم وَلا سيما نعمة الجاه والتفضيل على جميع البرايا أَنِّي بحولي وطولى قد فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ من بنى نوعكم وامتثلوا لامرى ولا تتجاوزوا عن حكمى واحذروا عن قهري وانتقامي

وَاتَّقُوا يَوْماً صفته انه لا تَجْزِي ولا تحمل نَفْسٌ مطيعة عَنْ نَفْسٍ عاصية شَيْئاً قليلا من أوزارها وَمع ذلك لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ فدية حتى تخلص بها عن بطش الله وَايضا لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ من شفيع حميم حتى يخفف عذابها لأجلها وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ من غيرهم في تحمل العذاب بل ما يحمل رزاياهم الا مطاياهم ومع هذه المبالغة والتأكيد قليلا منهم يؤمنون بخلاف الملة الحنيفية البيضاء الخليلية فإنهم بأجمعهم يرجى منهم الايمان بوحدانية الله ان أقاموا الصلاة اليه مخلصين الا المصلين الذينهم في صلاتهم ساهون بما يلهيهم من محبة المال والجاه عصمنا الله من ذلك

ثم لما ذكر سبحانه قصة بنى إسرائيل وانعامه عليهم بأنواع النعم وكفرانهم لنعمه من خبث طينتهم أراد أن يذكر طيب طينة الملة الخليلية وصفاء عقائدهم وتحملهم على الاختبارات والابتلاءات الإلهية فقال وَإِذِ ابْتَلى اى واذكر يا أكمل الرسل وقت ابتلاء أبيك إِبْراهِيمَ رَبُّهُ الذي قد ابتلاه واختبر خلته بأنواع البلاء من عذاب النار والمنجنيق وذبح الولد والاجلاء من الوطن وغير ذلك من البليات النازلة عليه بِكَلِماتٍ صادرة من ربه حين أراد اختباره فَأَتَمَّهُنَّ على الوجه المأمور بلا فتور ولا قصور تتميما لرتبة الخلة والخلافة ثم لما اختبر سبحانه خلة خليله بأنواع المحن والبلاء اظهر مقتضيات خلته إياه بأنواع العطاء حيث قالَ سبحانه إِنِّي من غاية محبتي وخلتي معك ايها الخليل الجليل جاعِلُكَ لِلنَّاسِ الناسين التوجه والرجوع الى إِماماً مقتدى لهم هاديا يهديهم الى طريق التوحيد ولما رأى ابراهيم عليه السّلام انبساط ربه معه وإحسانه اليه واظهار الخلة له قالَ وَاجعل يا رب مِنْ ذُرِّيَّتِي ايضا ائمة الى يوم الدين قالَ سبحانه تلطفا له وامتنانا عليه ومن ذريتك ايضا الصالحين منهم لا الفاسقين إذ لا يَنالُ عَهْدِي الذي هو خلعة نيابتي وخلافتي الظَّالِمِينَ المتجاوزين عن مقتضى حدودي وعهودى

وَبعد ما جعلناه اماما للناس هاديا لهم الى طريق الحق هيأنا له طريق الهداية والإرشاد إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ اى الكعبة المعدة للتوجه إلينا بترك المألوفات وقطع التعلقات من الأهل والمال والوطن والاجتناب عن التصرفات المانعة عن التوجه الحقيقي من الرفث والفسوق والجدال والقتل وغير ذلك من الأمور المتعلقة للحياة المستعارة مَثابَةً موضع ثواب لِلنَّاسِ ليتقربوا إلينا ويتوجهوا نحونا فيها وَأَمْناً من جميع المخاوف الدينية إذا كان الطواف والزيارة على نية الإخلاص وَبعد ما جعلنا البيت مثابة للناس قلنا للزائرين لها والطائفين حولها اتَّخِذُوا ايها الزوار مِنْ مَقامِ خليلنا إِبْراهِيمَ مُصَلًّى موضع ميل وتوجه اقتداء له صلوات الرّحمن عليه وَبعد ما أمرنا الزوار بما أمرنا قد عَهِدْنا ووصينا إِلى خليلنا إِبْراهِيمَ وَذبيحنا إِسْماعِيلَ ابنه عليهما السّلام أَنْ طَهِّرا بالمظاهرة والمعاونة بَيْتِيَ المعد للطهارة الحقيقية عن جميع الشواغل لِلطَّائِفِينَ الذين قصدوا الميل الى جنابنا ببذل المهج

<<  <  ج: ص:  >  >>