للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالوحي والإلهام والرؤيا

وَلكمال إخلاصه ومزيد اختصاصه بنا نادَيْناهُ بعد المجاهدة الكثيرة والرياضات البليغة مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ ذي اليمن والبركة وانواع السعادة والكرامة وَبعد ما انكشف بالنداء بما انكشف وشهد ما شهد قد قَرَّبْناهُ بنا الى ان صار نَجِيًّا مناجيا إلينا متكلما معنا إذ قد كنا حينئذ سمعه وبصره وجميع قواه فبنا يسمع وبنا يبصر وبنا يبطش وبنا يتكلم

وَمع ذلك قد وَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا وفضلنا إياه تأييدا له وتعضيدا أَخاهُ هارُونَ ليؤيده ويقويه في تنفيذ احكام النبوة والرسالة وجعلناه نَبِيًّا ايضا ليكون على عزيمة صادقة وقصد خالص في اجراء الاحكام الإلهية

وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ ايضا جدك إِسْماعِيلَ ذبيح الله الراضي من الله بجميع القضاء المرضى عنده إِنَّهُ من كمال وثوقه واعتماده على الله وتفويضه الأمور كلها اليه سبحانه قد كانَ صادِقَ الْوَعْدِ والعهد عند الله وافيا لميثاقه صابرا على مصائبه وبلائه شاكرا لآلائه ونعمائه وَقد كانَ ايضا كابيه واخوته رَسُولًا نَبِيًّا وان لم ينزل عليه الشرع المخصوص إذ بعض أولاد ابراهيم صلوات الرّحمن على نبينا وعليه وعليهم قد كانوا أنبياء مرسلين مع انهم كانوا جارين على ملة أبيه وشرعه

وَمن خصائله الجميلة انه قد كانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ أولا لأنهم اولى بالإرشاد والتكميل وأحق من غيرهم بِالصَّلاةِ التي هي عبارة عن التوجه نحو الحق بعموم الجوارح والأركان والتقرب اليه عن ظهر القلب ومحض الجنان وَالزَّكاةِ التي هي عبارة عن تصفية النية وتخلية الطوية عن الميل الى مزخرفات الدنيا الدنية وحطامها الزائلة الذاهبة وَقد كانَ من كمال تنزهه عن العلائق والعوائق العائقة عن التوجه الخالص نحو الحق عِنْدَ رَبِّهِ الذي رباه على كمال الرضاء والتسليم مَرْضِيًّا لوفائه الوعد واستقامته، فيه وصبره على عموم ما جرى عليه من البلوى

وَاذْكُرْ يا أكمل الرسل فِي الْكِتابِ ايضا إِدْرِيسَ صاحب دراسة التوحيد والعرفان وقالع اهوية النفس وأمانيها بارتكاب شدائد الرياضات والمجاهدات في مسالك التصديق والإيقان من كمال رشده وحكمته إِنَّهُ قد كانَ صِدِّيقاً مبالغا في الصدق والتصديق والتحقيق نَبِيًّا مبعوثا الى الناس كسائر الأنبياء للهداية والتكميل

وَلعلو شأنه وسمو برهانه وكمال تصفيته وتزكيته عن لوازم البشرية قد رَفَعْناهُ تلطفا معه وتفضلا عليه مَكاناً عَلِيًّا وهو أعلى درجات المعارف واليقين وقيل الى السماء الرابعة او السادسة

وبالجملة أُولئِكَ المذكورون من زكريا الى إدريس كلهم أنبياء الله وامناؤه في ارضه إذ هم بأجمعهم هم الَّذِينَ قد أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بأنواع النعم الظاهرة والباطنة واصطفاهم من بينهم للهداية والتكميل وهم مِنَ النَّبِيِّينَ المنتشئين مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ في السفينة حين ظهر الطوفان على وجه الأرض وَبعضهم مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَابنه يعقوب الملقب من عند الله إِسْرائِيلَ وَقد كان كل منهم مِمَّنْ هَدَيْنا الى توحيدنا وَاجْتَبَيْنا من بين البرايا للتكميل والتشريع ووضع الاحكام بين الأنام وكلهم من كمال يقينهم وعرفانهم وتمكنهم في مقر التوحيد قد صاروا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ ودلائل توحيده وتجريده قد خَرُّوا خرور تواضع ورهبة سُجَّداً متذللين واضعين جباهم على تراب المذلة والهوان وراجين من سعة رحمته بمقتضى لطفه وجماله وَبُكِيًّا باكين خائفين من خشيته وجلاله فان المؤمن لا بد ان يكون في عموم أحواله بين الخوف والرجاء ثم لما ظهر على الأرض التي هي محل الشرور والفتن وانواع الفسادات ما ظهر من انواع المكروهات والمنكرات وهم قد كانوا عند ظهورها واشتهارها

<<  <  ج: ص:  >  >>