للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الا آتى الرّحمن عبدا وذقت حلاوته وحقيقته جعلنا الله ممن تحقق بمعاني أسمائه الحسنى واستكشف عن سرائر أوصافه الأسنى بفضله وسعة رحمته وجوده

[سورة طه]

[فاتحة سورة طه]

لا يخفى على ذوى البصائر المستكشفين عن مراتب الوجود بفيضان الكشف والشهود بلا ملاحظة الرسوم والحدود مثل اصحاب القيود ان للوجود البحت الخالص عن جميع الاعتبارات باعتبار ظهوره في مظاهر الاعداد مراتب كثيرة يقبل بسببها الإضافات الغير المحصورة فله باعتبار ظهوره في كل مرتبة من المراتب الكلية والجزئية اسماء كلية وجزئية يظهر في كل منها بواسطة اسم خاص من الأسماء. وأعلى المراتب التي هو مصدر جميعها ومال الكل اليه ومصيره المرتبة التي طويت دونها المراتب وقصرت عن دركها العقول وكلت عن وصفها الألسن وارتجت دونها طرق الوصول واضمحلت هناك السمات والعلامات وبطلت العبارات والاعتبارات وارتفعت الجهات والإشارات وتلك المرتبة هي المرتبة الاحدية الصمدية التي لا يمكن فيها توهم الكثرة لان الكثرة انما تنشأ من الاضافة والاضافة انما تتصور بين الاثنين فصاعدا ولا اثنينية هناك أصلا وهذه هي المرتبة الجامعة المحمدية التي قد انتهت إليها المراتب كلها عروجا كما ظهرت هي منها نزولا في بدأ الأمر لذلك أشار سبحانه في أول هذه السورة الى مرتبته صلّى الله عليه وسلّم إرشادا لعباده وامتنانا لهم ليكون قبلة لكل طالب سالك الى جنابه وراغب ناسك نحو بابه وفي آخرها ايضا يشعر بان مرتبته صلّى الله عليه وسلّم بداية عموم المراتب ونهايتها إذ هناك قد اتحد قوسا الوجوب والإمكان والغيب والشهادة ولما كانت مرتبته صلّى الله عليه وسلّم مبدأ الكل ومنتهاه كان بمقتضى الرحمة العامة طالبا لهداية الكل ورجوعه إليها لذلك ناداه سبحانه على وجه يشعر بطلب هدايتهم الى مرتبته حيث قال عز وجل مخاطبا له صلّى الله عليه وسلّم بعد ما تيمن باسمه الأعلى بِسْمِ اللَّهِ المتجلى بعموم أسمائه وصفاته المترتب عليها جميع مراتب الوجود في مرتبته الجامعة المحمدية التي منها ظهور الكل وإليها رجوعه الرَّحْمنِ بإظهار الكل منها في النشأة الاولى الرَّحِيمِ بإعادتها إليها في النشأة الاخرى

[الآيات]

طه يا طالب الهداية العامة على كافة البرايا

ما أَنْزَلْنا من مقام إرشادنا وتكميلنا عَلَيْكَ ايها المتوجه للسعادة الابدية المعرض عن الشقاوة مطلقا الْقُرْآنَ الفرقان بين الهداية والضلالة والسعادة والشقاوة المنافية لها لِتَشْقى اى ما أنزلناه لتكون أنت شقيا بنزوله بعد ما كنت سعيدا قبله كما توهم الكفار بل ما أنزلناه

إِلَّا تَذْكِرَةً للسعادة العظمى لك ولمن تبعك لا لكل احد منهم بل لِمَنْ يَخْشى من انذاراته وتخويفاته وامتثل بأوامره وأحكامه واجتنب عن مناهيه ومحظوراته إذ انزل القرآن عليك يا أكمل الرسل من عموم رحمتنا على كافة الخلق لذلك قد نزلناه

تَنْزِيلًا مِمَّنْ اى من اسمنا الذي به خَلَقَ الْأَرْضَ وأوجد العالم السفلى وَكذا أوجد به السَّماواتِ الْعُلى اى العالم العلوي

وذلك الاسم هو الرَّحْمنُ الذي قد ظهر واستقر بالرحمة العامة عَلَى الْعَرْشِ اى على عروش عموم الذرائر بحيث لا يخرج عن حيطته ذرة منها بل قد اسْتَوى على جميعها واستولى

إذ لَهُ الاستيلاء والاحاطة التامة على عموم ما ظهر فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من الكائنات والفاسدات وَكذا على عموم ما ظهر بَيْنَهُما من الممتزجات الكائنة فيما بين السموات والأرض وَ

<<  <  ج: ص:  >  >>