للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موسى حريصا على هداية قومه لكمال شفقته عليهم تسارع الى تصفيتهم واختار منهم باذن الله سبحانه سبعين رجلا من خيارهم حتى يذهبوا معه الى الطور ليأخذوا التورية فساروا معه فتسارع موسى في الصعود شوقا الى لقاء ربه وأمرهم ان يتبعوه في الارتقاء الى الجبل فوصل موسى الموعد قبل وصولهم فقال له ربه تنبيها على اضطرابه واستعجاله في امره

وَما أَعْجَلَكَ واى شيء أسبقك عَنْ قَوْمِكَ المستكملين برفاقتك يا مُوسى المبعوث المرسل لتكميلهم بل الأليق بحالهم ان تجئ أنت معهم مجتمعين

قالَ موسى هُمْ من غاية قربهم أُولاءِ المشار إليهم التابعون عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ يا رَبِّ لِتَرْضى عنى ويزداد تقربي إليك

قالَ تبارك وتعالى بعد ما فارقتهم وتركتهم مع أخيك قد صرت أنت سببا تاما لوقوعهم في البلاء العظيم فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا وابتلينا قَوْمَكَ وهم الذين قد ابقيتهم مع أخيك مِنْ بَعْدِكَ من بعد خروجك من بينهم بعبادة غيرنا فأشركوا بنا وَما أَضَلَّهُمُ الا السَّامِرِيُّ المفرط بسبب صوغه صورة العجل من حلى القبط ورميه عليه التراب الذي قد اخذه من حافر فرس جبرائيل عليه السّلام وخوار العجل بعد رمى التراب عليه وقوله بعد ما خار العجل هذا إلهكم واله موسى وبعد ما سمع موسى من ربه ما سمع

فَرَجَعَ مُوسى من ساحة عز حضور ربه ومقام السرور معه مسرعا إِلى قَوْمِهِ المتخلفين عن امره المشركين بربه قد استولى عليه الغضب غيرة على ربه وحمية لهم فصار غَضْبانَ من فعلهم أَسِفاً متأسفا متحزنا متفكرا هل يمكن التدارك أم لا فلما وصل إليهم قالَ يا قَوْمِ المضيعين سعي في إرشادكم وتكميلكم اما تستحيون من ربكم الذي رباكم بأنواع النعم وأنجاكم من اصناف البلاء سيما عند وعد الزيادة لكم أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً يحسن أحوالكم ويوصلكم الى مقام القرب بانزال التورية عليكم لتكملوا بها أخلاقكم أَتنكرون انجاز وعده أم فَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ المدة والزمان بان صار أربعين بعد ما كان ثلثين أَمْ أَرَدْتُمْ وقصدتم بالإنكار والإصرار أَنْ يَحِلَّ وينزل عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ لذلك مَوْعِدِي الذي قد وعدتكم من متابعتي لاخذ التورية

قالُوا يا موسى ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا اى بقدرتنا واختيارنا من غير ظهور دليل يشغلنا عن موعدك بل وَلكِنَّا قد كنا على ما وعدتنا ولا تصدر عنا مخالفتك غير انا قد حُمِّلْنا أَوْزاراً وأحمالا وأثاثا مستعارا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ اى من حلى القبط ولم يمكننا الرد إليهم لاستئصالهم ولا يمكننا ايضا حملها وحفظها دائما لذلك اضطررنا فحفرنا حفرة وصيرناها مملوة من النار فَقَذَفْناها اى فقذف كل منا ما في يده من الحلي فيها فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فيها ما في يده من الحلي بعد ما قذفنا بلا صنع زائد منا وبعد ما قذف الكل حليهم فيها ادخل السامري يده فيها

فَأَخْرَجَ لَهُمْ منها عِجْلًا اى صورة عجل قد أوجده الله تعالى من تلك الحلي المقذوفة ولم يكن من ذوى الحس والحركة بل كان جَسَداً وهيكلا لَهُ خُوارٌ يصوت صوت البقر فَقالُوا السامري اصالة والباقي تبعا هذا الجسد الذي خار خورة إِلهُكُمْ الذي أوجدكم من العدم وَإِلهُ مُوسى المتردد في بيداء الطلب هو هذا قد أنزله موسى في هذه الحفرة من قبل فَنَسِيَ منزله وسعى في طلبه سعيا بليغا فرقى الطور ايضا لطلب هذا

أَهم قد خرجوا عن طور العقل باعتقاد الوهية الجماد بل عن الحس ايضا فَلا يَرَوْنَ ولا يتفكرون في شأن هذا الجماد أَلَّا يَرْجِعُ اى انه لا يرجع اى انه لا يرد إِلَيْهِمْ قَوْلًا جوابا عن سؤالهم وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا لو لم يؤمنوا

<<  <  ج: ص:  >  >>