للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجل جلال قدسه عما نسب اليه الملحدون الجاحدون المكابرون المعاندون ومع علو شأنه عما يصفونه سبحانه ووضوح برهانه وظهور وحدة ذاته واستقلاله في ألوهيته وربوبيته قد ترددوا فيها وفي توحيده

أَمِ اتَّخَذُوا بل قد أخذوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً شركاء له سبحانه لا واحدا بل متعددا وعبدوها كعبادته سبحانه ظلما وزورا جهلا وعنادا قُلْ يا أكمل الرسل إلزاما لهم وتبكيتا هاتُوا ايها المشركون المثبتون لله الواحد الأحد الفرد الصمد شريكا بُرْهانَكُمْ على وجود آلهة سواه سبحانه عقلا او نقلا ان كنتم من ذوى الألباب ومن اهل العقل والرشد وبالجملة لا سبيل الى الدليل العقلي إذ برهان التمانع قد قطع عرق الشركة بالمرة ولا الى النقلى ايضا إذ جميع الكتب والصحف الإلهية متطابقة في توحيد الحق ونفى الشركة عنه سبحانه قطعا إذ هذا الكتاب الجامع لجميع ما في الكتب السالفة المنزل على ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ اى عظة وتذكير يذكر من معى من المؤمنين من أصحابي وَكذا هو ذِكْرُ مَنْ قَبْلِي من امم الأنبياء الماضين لو صدقوه وقبلوا ما فيه لموافقة ما فيه بعموم ما في كتبهم وصحفهم لكنهم لا يصدقون عنادا حتى يهديهم الى الحق بَلْ أَكْثَرُهُمْ جاهلون لا يَعْلَمُونَ ولا يعرفون الْحَقَّ الصريح الظاهر في الآفاق بلا سترة وحجاب بل فَهُمْ لغلظ حجبهم وكثافة غشاوتهم مُعْرِضُونَ عن الحق منكرون له وبالجملة من لم يجعل الله له نورا فماله من نور.

ثم قال سبحانه كلاما جمليا مثبتا للتوحيد خاليا عن سمة التقليد مطلقا وَما أَرْسَلْنا من مقام جودنا وفضلنا مِنْ قَبْلِكَ يا أكمل الرسل مِنْ رَسُولٍ من الرسل الماضين إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أولا أَنَّهُ لا إِلهَ يعبد بالحق ويستحق للعبادة والإطاعة إِلَّا أَنَا المتعزز برداء العظمة والكبرياء المتفرد بكمال الجلال ودوام البقاء فَاعْبُدُونِ ايها الاظلال الهالكة والعكوس المستهلكة الباطلة وتذللوا نحوي خاضعين خاشعين إذ لا مرجع لكم غيرى وان ادعوا الشركة

وَقالُوا مستدلين عليها نحن نجد في التورية والإنجيل انه قد اتَّخَذَ الرَّحْمنُ الملائكة وعزيرا وعيسى وَلَداً والولد شريك لأبيه في فعله إذ هو سره وثمرته سُبْحانَهُ وتعالى عن أمثال هذه الهذيانات الباطلة بَلْ هم عِبادٌ مُكْرَمُونَ عنده محبوبون لديه

لذلك لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ اى لا يبادرون الى القول قبل قوله سبحانه ولا يبدلون ولا يغيرون قوله وحكمه كما هو دأب العبيد مع المولى وَكيف يسبقونه بالقول قبل قوله سبحانه وحكمه هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ جميع ما عملوا من خير وشر والمأمور المجبور لا يكون شريكا للآمر الجابر القادر القاهر وكيف لا يعملون بامره سبحانه

إذ هو يَعْلَمُ بعلمه الحضوري ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وما هو حاضر عندهم معلوم لديه من أحوالهم وأفعالهم وَكذا ما خَلْفَهُمْ وما هو غائب عنهم ومجهول لهم وَان خرجوا عن مقتضى امر سبحانه لا يَشْفَعُونَ ولا يقبل شفاعتهم إذ لا يشفع لهم عند الله بعد ما خرجوا عن مقتضى حكمه إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى سبحانه ورضى بشفاعة من يشفع لهم واذن وَكيف يشفع عنده سبحانه بغير اذنه ورضاه إذ هُمْ اى الشفعاء مِنْ كمال خَشْيَتِهِ سبحانه ومن غاية سطوته وهيبته وقهره مُشْفِقُونَ خائفون مرعوبون وجلون

وَمتى كان حال الشفعاء وخشيتهم على هذا المنوال مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مستحق للعبادة مستقل في الألوهية مِنْ دُونِهِ سبحانه فَذلِكَ اى بمجرى قولهم هذا وان كان غير مطابق لاعتقادهم نَجْزِيهِ ونصليه جَهَنَّمَ البعد والحرمان ونيران الخيبة والخسران كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ الخارجين عن

<<  <  ج: ص:  >  >>