للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقتضى توحيدنا المسيئين الأدب معنا

أَينكرون وحدتنا ويثبتون لنا شريكا من مصنوعاتنا وينسبون بنا ولدا ظلما وزورا وَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا بنا بأمثال هذه الخرافات الباطلة ولم يعلموا كمال قدرتنا أَنَّ السَّماواتِ اى عالم الأسماء والصفات وَالْأَرْضَ اى عالم الطبيعة والعكوس والاظلال قد كانَتا رَتْقاً اى كان كل منهما مرتقا متضمما بلا تعدد وتكثر اما الأسماء والصفات فمندمجة مندرجة في الذات بلا هبوط وتنزل وظهور اثر واما الطبيعة العدمية قد كانت ساكنة في زاوية العدم بلا امتداد ظل الوجود عليها فَفَتَقْناهُما بالتجليات الحبية المنتشئة من الأسماء الذاتية والصفات الكمالية الفعلية المقتضية للظهور والانجلاء لحكم ومصالح قد استأثرنا بها وبالقبول والتأثر من اشعة التجليات وَان أردتم ان تنكشف لكم كيفية انتشاء الأشياء الكثيرة من الذات الواحدة المتصفة بالصفات والأسماء المتماثلة والمتقابلة فانظروا كيف جَعَلْنا مِنَ الْماءِ الواحد بالذات المشتمل على الأوصاف الكثيرة المندمجة فيه المنتشئة عنه بحسب الآثار والعكوس والاظلال الصادرة منه كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ إذ قد خلقنا وصيرنا كل شيء له احساس وتغذية وتنمية وازدياد وانتقاص من الماء خصه سبحانه بالذكر من بين العناصر إذ هو أقوى اسباب التبدلات والتشكلات واقبل الى قبول التصرفات والامتزاجات أَفَلا يُؤْمِنُونَ ويصدقون بهذا مع انه من اجلى البديهيات واظهر المحسوسات. ثم أخذ سبحانه في تعداد نعمه على خلص عباده امتنانا عليهم وتنبيها لهم كي يتفطنوا منها بوحدة ذاته وكمال قدرته وبسطته

فقال وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ التي هي الكرة الحقيقية المائلة بالطبع الى التدور والانقلاب رَواسِيَ شاخت مخافة أَنْ تَمِيدَ تتحرك وتضطرب وتضر بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها اى في تلك الرواسي فِجاجاً شقوقا واودية لتكون سُبُلًا ومسالك متسعة وطرقا واسعة عناية منا إياهم لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ من تلك الطرق الى ما يرومون من الأماكن البعيدة والبلدان النائية فيتجرون ويتبعون منها مطالبهم ومصالحهم

وَايضا قد جَعَلْنَا السَّماءَ المرفوع فوقهم سَقْفاً مَحْفُوظاً لهم فيها اوقات مزارعهم ومتاجرهم وسائر مصالحهم في البر والبحر إذ هي من أقوى اسباب معاشهم وَهُمْ عَنْ آياتِها الدالة على وحدة مبدعها وكمال قدرة مخترعها وموجدها مُعْرِضُونَ منصرفون منكرون لا يتفكرون فيها كي تصلوا الى زلال توحيدنا والى كمال قدرتنا وارادتنا

وَكيف لا يتفكرون في خلق السموات ولا يتدبرون في الآيات الدالة على وحدة صانعها وبالجملة كيف ينكرون أولئك المنكرون المسرفون وجود موجدها مع انه سبحانه هُوَ الَّذِي خَلَقَ وقدر لهم اللَّيْلَ سببا ووقتا لاستراحتهم ورقودهم وَالنَّهارَ لمعاشهم واكتسابهم وَجعل الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ سببين لإنضاج ما يتقوتون ويتفكهون وكُلٌّ من الشمس والقمر وسائر السيارات فِي فَلَكٍ من الأفلاك السبعة يَسْبَحُونَ يدورون ويسيرون بسرعة تامة دائما بلا قرار ولا سكون كل ذلك انما هي لتدبير مصالحهم وإصلاح معايشهم وهم لا يعلمون ولا يشكرون.

ثم قال سبحانه وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ يعنى ان النصارى قد ادعوا خلود عيسى وبقاءه بلا طريان موت عليه دائما كما كان الآن وكذا ادعوا خلود جميع من لحق بالملائكة من البشر رد الله عليهم على ابلغ وجه وآكده حيث قال ما جعلنا وقدرنا لبشر من نوعك يا أكمل الرسل الخلد والبقاء السرمدي لا من الذين مضونا قبلك ولا من الذين يأتون بعدك إذ الكل بشر محدث مركب وكل مركب لا بد ان ينهدم امتزاجه وينحل اجزاؤه ومزاجه ولو كان فرد من افراد البشر

<<  <  ج: ص:  >  >>