للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحدث قديما لكنت يا أكمل الرسل البتة أَتزعم وتردد يا أكمل الرسل فَإِنْ مِتَّ وعدمت عن الدنيا فَهُمُ الذين ادعى الجاهلون بقاءهم هم الْخالِدُونَ المقصورون على الخلود فيها بلا لحوق عدم عليهم كلا وحاشا لا يكون الأمر كذلك

بل كُلُّ نَفْسٍ ذات أجزاء وتركيب خيرة كانت او شريرة طويلة مدة عمرها او قصيرة باقية في اهل الأرض او ملحقة بالملإ الأعلى ذائِقَةُ كأس الْمَوْتِ مدركة مرارته محتملة اهوال السكرات وافزاعها وبالجملة لا ينجو من الموت احد وان علت رتبته وارتفعت مكانته بل كلكم هلكى في وقت ظهوركم ووجودكم المستعار وَانما نَبْلُوكُمْ ونختبركم في وجودكم هذا وفي نشأتكم هذه بِالشَّرِّ الغير المرضى عندنا وَالْخَيْرِ المرضى ليكون ابتلاؤنا إياكم فِتْنَةً لكم واختبارا منا إياكم لحكم ومصالح لنا فيها وَبعد ما اختبرناكم وابتليناكم في النشأة الاولى إِلَيْنا لا الى غيرنا إذ لا غير في الوجود تُرْجَعُونَ في النشأة الاخرى رجوع الظل الى ذي الظل والعكوس الى ذي الصور فنجازيكم فيها ونعامل بكم بمقتضى اختبارنا وابتلائنا إياكم في النشأة الاولى. ثم قال سبحانه امتنانا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم

وَاذكر يا أكمل الرسل وقت إِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا حين اشتغالك بتلاوة القرآن او بتذكير الأصحاب وعظة اولى الباب المشمرين نحو الحق أذيال هممهم المستفيدين المسترشدين منك قصارى مقاصدهم التي هي التوحيد الإلهي إِنْ يَتَّخِذُونَكَ وما يأخذونك حين التفاتهم نحوك إِلَّا هُزُواً اى محل استهزاء وسخرية قائلا حينئذ بعضهم لبعض مستحقرين لشأنك أَهذَا الرجل الحقير الفقير الملحق بالأراذل والضعفاء الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ بالسوء وينكر على شفعائكم ويسئ الأدب معهم مع غاية حقارته وضعفه ورثاثة حاله وَبالجملة هُمْ مع شدة عمههم وسكرتهم ونهاية غيهم وغفلتهم بِذِكْرِ الرَّحْمنِ المنزه عن شوب الشك وريب التردد هُمْ كافِرُونَ منكرون وجوده وتحققه مع كمال ظهوره واستحقاقه بالالوهية والربوبية بالأصالة بخلاف معبوداتهم الباطلة الزائغة إذ هم مقهورون تحت قدرته تعالى مجبورون جنب ارادته واختياره لا قدرة لهم من أنفسهم أصلا فهم بالاستهزاء أحق وبالاستهانة والسخرية اولى وأليق ثم لما استعجل المنهمكون في بحر الضلال والإنكار التائهون في تيه العتو والاستكبار نزول العذاب وقيام الساعة وكذا جميع الوعيدات الواردة فيها على سبيل الاستهزاء والتهكم رد الله عليهم انكارهم واستعجالهم بأبلغ وجه وآكده

فقال خُلِقَ الْإِنْسانُ اى هذا النوع من الحيوان مِنْ عَجَلٍ يعنى من غاية استعجاله بالخير والشر كأنه متخذ مصنوع منه قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا الى متى تستعجلون ايها المسرفون المغرورون سَأُرِيكُمْ عن قريب في هذه النشأة آياتِي اى بعضا من نقماتى التي هي من مقدمات عذاب الآخرة قيل هي وقعة بدر والمستعجلون هم القريش وسيأتى الساعة وعذابها بعد فَلا تَسْتَعْجِلُونِ ايها الضالون المسرفون المفسدون

وَبعد ما سمعوا من الرسول وأصحابه ما سمعوا يَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ الموعود والوقت المعهود وعينوا لنا وقت حلول العذاب وقيام الساعة إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعواكم هذه.

ثم قال سبحانه تفظيعا لهم وتهويلا عليهم لَوْ يَعْلَمُ ويطلع الَّذِينَ كَفَرُوا كيفية ما استعجلوا من العذاب وكميته حِينَ لا يَكُفُّونَ اى حين قد نزل عليهم حتما ولا يمكنهم حينئذ ان يدفعوا لا عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ لأنهم محاطون بها مغمورون فيها بحيث لا يسع لهم دفعها لا بأنفسهم وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ من الغير إذ كل نفس يومئذ رهينة بما

<<  <  ج: ص:  >  >>