للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هذِهِ التَّماثِيلُ الباطلة والهياكل الزائغة الزائلة الَّتِي أَنْتُمْ مع كونكم من زمرة العقلاء المجبولين لمصلحة التوحيد والعرفان لَها عاكِفُونَ عابدون متذللون مع انها ما هي الا جمادات لا شعور لها ولا حركة فكيف المعرفة واليقين وعبادة الفاضل للمفضول المرذول في غاية السقوط عند ذوى النهى واولى الباب

ثم لما تفرسوا منه الرشد التام ووجدوا قوله معقولا محكما قالُوا في جوابه ما نعرف نحن استحقاق هؤلاء التماثيل للعبادة والألوهية ولانكشف سرائرها غير انا قد وَجَدْنا آباءَنا وأسلافنا لَها عابِدِينَ فنعبدها كما عبدوها مع انهم قد كانوا من ذوى الفطنة والرشد فنعتقد نحن انهم قد انكشفوا باسرارها وبالجملة ما لنا شغلة باستكشافها سوى ان نعبد بما عبد أولئك الاسلاف الراشدون المهديون

قالَ ابراهيم بعد ما انكشف بالحق الصريح وظهر عنده ضلالهم وضلال آبائهم لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ ايها الحمقى المنهمكون في بحر الغفلة والغرور وَآباؤُكُمْ ايضا اى تابعكم ومتبوعكم وأصلكم وفرعكم متوغلين فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وغفلة عظيمة من الهداية وسلوك طريق الحق ثم لما سمعوا منه ما سمعوا من التضليل والتجهيل

قالُوا له أَجِئْتَنا ايها المدعى بِالْحَقِّ اى بالجد الصريح والنص الواضح المبين أَمْ أَنْتَ في تضليلك وتجهيلك إيانا مِنَ اللَّاعِبِينَ بنا المستهزئين بنا

قالَ ابراهيم لا لعب ولا سخرية في امور الدين سيما في معرفة الألوهية والربوبية وبالجملة ما هذه التماثيل العاطلة أربابكم الذين قد اوجدوكم واظهروكم من كتم العدم بَلْ رَبُّكُمْ وموجدكم هو رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى موجد العلويات والسفليات ومربيهما واحد احد صمد فرد وتر لا تعدد له ولا اثنينية فيه متصرف بالاستقلال في ملكه وملكوته إذ هو الَّذِي فَطَرَهُنَّ وابدعهن باختياره وانفراده بلا سبق مادة ومدة وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ اى على الأمور التي قد بينت لكم واوضحتها عندكم مِنَ الشَّاهِدِينَ اى من ارباب الشهادة المتحققين بمرتبة الكشف واليقين الحقي لا من اصحاب التقليد والتخمين

وَبعد ما جرى بينه وبينهم ما جرى سفهوه واستهزؤا به ونسبوه الى الخبط والجنون وانصرفوا عنه وعن قوله متعجبين فذهبوا الى مجامعهم ومعابدهم ومعايدهم التي قد كانوا يجتمعون فيها يوم العيد لعبادة الأصنام قال ابراهيم عليه السّلام في نفسه مقسما مؤكدا مبالغا تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ اى لاحتالن انا وامكرن لان اكسر أَصْنامَكُمْ ومعبوداتكم ايها الجاهلون لتفتضحوا أنتم وهؤلاء الأباطيل الزائغة بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا وتنصرفوا مُدْبِرِينَ عن مجمعكم ومعبدكم

ثم لما ذهبوا الى معيدهم دخل ابراهيم كنيستهم ومعبدهم التي فيها أصنامهم وأوثانهم فَجَعَلَهُمْ وصير أصنامهم كلها جُذاذاً قطعا منكسرة وأجزاء متلاشية إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ اى لم يكسر الصنم الكبير من الأصنام فقط ليكون سببا لإلزامهم وافحامهم لدى الحاجة لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ اى الصنم الكبير يَرْجِعُونَ يراجعون له ويستفسرون منه عن كسر الأصنام إذ هم قد اعتقدوه أعظم الآلهة والا له لا بد ان يجيب لهم جميع حوائجهم وحاجاتهم

ثم لما رجعوا من معيدهم ودخلوا الى معبدهم وكنيستهم للعبادة والتقرب نحو الآلهة وجدوها مجذوذة منكسرة متفرقة الاجزاء قالُوا من فرط حزنهم واسفهم مستبعدين مستحسرين مَنْ فَعَلَ هذا الفعل الفظيع والأمر الشنيع الفجيع بِآلِهَتِنا ومعبوداتنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ الخارجين من شعائر ديننا الجاحدين لآلهتنا

قالُوا اى السامعون منهم للسائلين قد سَمِعْنا فَتًى نكروه تحقيرا له واهانة عليه قد كان يَذْكُرُهُمْ اى الآلهة بالسوء دائما ويصيب عليهم وينكرهم

<<  <  ج: ص:  >  >>