للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ارض الشأم فكان يسير مع جنوده متمكنين على بساط قد كان فرسخا في فرسخ منسوج من الإبريسم قد عملت الجن له حيث شاء ثم يعود من يومه الى منزله وَلا تستبعدوا منا أمثال هذا إذ قد كُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ تعلقت ارادتنا بإيجاده عالِمِينَ بأسباب وجوده وظهوره فنوجده على الوجه الذي نريده ونجريه بمقتضى حكمتنا وقدرتنا

وَقد سخرنا لسليمان ايضا مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ البحار ويخرجون منها نفائس اللئالئ والجواهر تتميما لعظمته وتوفيرا لخزانته وَيَعْمَلُونَ له ايضا عَمَلًا دُونَ ذلِكَ

الغوص من بناء الابنية الرفيعة والقصور المنيعة واختراع الصنائع الغريبة والهياكل البديعة والتشكيلات العجيبة المبتدعة وَكُنَّا لَهُمْ من قبل سليمان حافِظِينَ مشغلين مشرفين إياهم لا يمكنهم ان يفسدوا في أعمالهم وأشغالهم ويزيغوها بمقتضى اهويتهم وطباعهم

وَاذكر يا أكمل الرسل في كتابك هذا أخاك أَيُّوبَ الذي ابتلاه الله بأنواع المحن والبلايا فصبر عليها وازداد ألمه واشتد الأمر عليه فاضطر الى التضرع والتفزع وبث الشكوى الى الله وقت إِذْ نادى رَبَّهُ مشتكيا اليه مناجيا له متضرعا إياه قائلا أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ يا ربي وتنحت عنى أقاربي وذوو أرحامي وجميع رحمائي وَأَنْتَ تبقى على رحيما مشفقا لأنك أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فأدركني بلطفك إذ لا طاقة لي ولا صبر بعد اليوم وقد بلغ الجهد غايته

فَاسْتَجَبْنا لَهُ دعاءه فَكَشَفْنا عنه ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ مؤلم مزعج وَبعد ما قد شفيناه وأزلنا عنه مرضه وعموما ما يؤذيه قد آتَيْناهُ أَهْلَهُ وأحيينا الذين هلكوا بسقوط البيت عليهم من أولاده وأعطينا له بدل أمواله التي قد تلفت بالحوادث والنوائب وَقد زدنا عليه تفضلا وامتنانا مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا إياه وزيادة العام واحسان منا عليه وَليكون ما فعلنا به وأعطينا إياه ذِكْرى تذكرة وحنا لِلْعابِدِينَ الذين صبروا على مشاق التكاليف ومتاعب الطاعات والعبادات ليفوزوا بأفضل المثوبات وأكرم الكرامات

وَاذكر يا أكمل الرسل في كتابك الجامع جدك إِسْماعِيلَ ذا الصبر والرضاء بعموم ما جرى عليه من القضاء وَاذكر ايضا إِدْرِيسَ صاحب دراسة الحكمة المتقنة وانواع المعارف والحقائق وَاذكر ذَا الْكِفْلِ المتكفل بعبادة الله في عموم أوقاته وحالاته بحيث لا يشغله شاغل مطلقا عن توجهه ورجوعه نحو الحق قيل هو الياس وقيل يوشع بن نون وقيل نبي آخر مسمى به لأنه كان يتكفل صيام ايام حياته وبالجملة قد كان كُلٌّ من هؤلاء السعداء المقبولين المذكورين مِنَ الصَّابِرِينَ بقضاء الله ونزول بلائه كما انهم كانوا شاكرين لآلائه ونعمائه

وَلذلك قد أَدْخَلْناهُمْ فِي سعة رَحْمَتِنا امتنانا عليهم إِنَّهُمْ في أنفسهم مِنَ الصَّالِحِينَ لنبوتنا وخلافتنا المصلحين أعمالهم وأقوالهم وعقائدهم وأحوالهم ومن الواصلين الى درجات القرب واليقين

وَاذكر يا أكمل الرسل أخاك ذَا النُّونِ صاحب الحوت وهو يونس بن متى عليه السّلام وقت إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً على قومه مراغما لهم حين وعظهم فلم يتعظوا فشق عليه الأمر فغضب عليهم فلم يكظم غيظه فدعا بنزول العذاب عليهم وبعد ما ظهر اماراته خرج من بينهم تفريجا لغضبه وتوسيعا لصدره فَظَنَّ بخروجه من بينهم أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ وعلى تضييقه وتغميمه ولا يمكننا حبسه في مكان آخر فهرب من بينهم ولقى البحر فركب على السفينة فسكنت الريح فقال البحارون ان فيها عبدا آبقا فاقترعوا فخرجت القرعة باسمه فالقى نفسه في البحر فالتقمه الحوت على الفور فَنادى وناجى صريخا صريعا ضريعا فجيعا مغمورا فِي الظُّلُماتِ التي قد تراكمت عليه إذ هو في بطن

<<  <  ج: ص:  >  >>