للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خاتمة سورة الأنبياء عليهم السّلام

عليك ايها الطالب القاصد لاقتصاد الأحوال واعتدال الأفعال والأقوال ان تستعين بالله في كل ما صدر عنك وجرى عليك وتسنده الى الله سبحانه بلا رؤية الوسائل في البين وتتخذه وكيلا وتفوض عموم أمورك في جميع شئونك واطوارك اليه سبحانه إذ هي له اصالة وان صدر عنك صورة إذ لا وجود لك في ذلك فكيف ما يترتب عليه من الأفعال والآثار وبالجملة فلك ان تميت نفسك عن عموم ما عداك وبعثك اليه امارة نفسك وشيطان وهمك وخيالك إذ هي مضلتك ومغويتك تبعدك عما يعينك وتغريك الى ما لا يعنيك وترديك فلك ان تميز بين تسويلات الهوى وأماني النفس الملهية عن المولى وبين آيات الهدى وعلامات التقى الموصلة الى الدرجات العلى والفوز بشرف اللقاء وان شئت ان تخلص نفسك من جنود الهوى وعساكر الغفلات من الأوهام والخيالات فاعتزل عن اظهر الناس وابعد عن ملأهم واحذر عن مخالطتهم ومصاحبتهم واتخذ لنفسك خلوة تنجيك عن عموم ما يغويك ويؤذيك إذ المرء ما يذوق حلاوة الوحدة ولذة التوحيد الا في الوحدة والعزلة والفرار عن الخلطة سيما في هذا الزمان الذي قد غلب فيه النفاق وكثر الخلاف والشقاق. ربنا هب لنا من لدنك جذبة تنجينا من لذات الدنيا ومشتهياتها وانسابك يخلصنا عن موانسة غيرك انك على عموم ما تشاء قدير وإنجاح آمال المؤملين جدير

[سورة الحج]

[فاتحة سورة الحج]

لا يخفى على الموحدين المشمرين أذيال هممهم للتوجه الى كعبة الذات والوقوف عند عرفات الأسماء والصفات والطواف حول البيت الحرام المشتمل على جميع الأركان والمقامات الجامعة لجميع الابعاد والجهات ان الحج الحقيقي والطواف المعنوي الأصلي انما هو بالانخلاع عن لوازم الصور الجسمانية وكذا عن مقتضيات الهياكل الهيولانية بالموت الإرادي والفناء الاختياري المنبعث عن الشوق المفرط نحو الحق المنزه عن تراكم الإضافات المؤدية الى التعدد والكثرات ولهذا قد وضع سبحانه للسالكين القاصدين نحو قبلة الذات مقصدا مخصوصا وعين لهم وجهة معينة وأمرهم بالتوجه إليها والوقوف عندها والطواف حولها من كل فج عميق ومرمى سحيق الا وهي اودية الإمكان وبوادي التعينات واغوار اللذات والشهوات الوهمية البهيمية متزودين زاد التقوى راكبين على مطايا التوفيق متقربين الى الله بذبح كبائش انانياتهم وأنفسهم متكفئين محرمين لابسين. لباس الموت الاضطراري منسلخين عن لوازم الحيوة المستعارة الصورية المبطلين عموم القوى والآلات عن مقتضياتها محرمين على نفوسهم جميع المشتهيات النفسانية الناشئة من الشهوية والغضبية بحيث لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ثم أمرهم بوقوف عرفات المعرفة لهم سرائر الأسماء والصفات ليتأتى لهم الطواف حول كعبة الذات إذ لا سبيل إليها الا من طرق الأسماء والصفات التي هي العرفات والمعرفات حقيقة ثم لما كان الطواف الحقيقي والحج المعنوي مسبوقا برفع جميع التعينات ونفى مطلق الإضافات والكثرات ولا يتم هذا على الوجه الأتم الأكمل الا في النشأة الاخرى والطامة الكبرى حذرهم سبحانه عنها أولا ليتهيأوا لها ويتزودوا بزاد يناسبها فقال مناديا لهم على سبيل التذكير متيمنا باسمه العلى الكبير بِسْمِ اللَّهِ المدبر لأمور عباده بأحسن التدبير الرَّحْمنِ عليهم بحفظهم

<<  <  ج: ص:  >  >>