للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجبولين على الكفران والنسيان مَنْ يُجادِلُ ويكابر فِي أوامر اللَّهِ وينكر مقدوراته الماضية والآتية مع انه قد صدر عنه هذا الإنكار بِغَيْرِ عِلْمٍ اى دليل عقلي مسبوق بترتيب المعلومات اليقينية او الظنية وَلا هُدىً اى حدس وكشف ملهم من عند الله ملقى في روعه وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ دليل نقلي منسوب الى الوحى والإلهام بحيث ينور ويضئ قلوب من صدق به وأخذ بما فيه وامتثل بمقتضاه ايمانا واحتسابا ومع انه ليس له سند لا عقلي ولا كشفى ولا شهودي هو معرض عن مطلق الدلائل والشواهد اللائحة مع وضوحها وظهورها صارف عنان فكره وعزمه عن التأمل فيها وبالجملة يجادل في الله حال كونه

ثانِيَ عِطْفِهِ يعنى لاويا عنقه موليا جنبيه طاويا كشحه عنها كبرا وخيلاء على اصحاب الدلائل والبراهين وارباب الكشف والشهود وعتوا واستكبارا وانما فعل ما فعل من عدم الالتفات والتوجه نحو اهل الحق لِيُضِلَّ بفعله هذا ضعفاء الأنام عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الذي قد بينه الأنبياء العظام وأوضحه الرسل الكرام عليهم التحية والسّلام بوحي الله والهامه إليهم وبانزال الكتب والصحف عليهم وبالجملة لَهُ اى لهذا المستكبر العاتي بسبب ضلاله وإضلاله فِي الدُّنْيا خِزْيٌ هوان وهون وطرد ولعن وأسر ونهب وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ بعد انقراض النشأة الاولى عَذابَ الْحَرِيقِ المحرق الذي هو النار لا عذاب أشد منها وحين تعذيب الموكلين عليه بالنار قد أمرنا لهم ان يقولوا له على سبيل التقريع والتوبيخ زجرا عليه

ذلِكَ الذي قد لحقك الآن ونزل عليك من العذاب المخلد بِما قَدَّمَتْ وكسبت يَداكَ في النشأة الاولى وعلى مقدار ما اقترفته من المعاصي والآثام بلا زيادة عليها عدلا منا إياك وَاعلم ايها المسرف المبالغ في اقتراف الجرائم المستوجبة للعذاب أَنَّ اللَّهَ المتصف بالعدل القويم لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ يعنى ليس بمبالغ في جزاء الانتقام عن مقدار الجرائم والآثام مثل مبالغته في جزاء الانعام والإحسان تفضلا وامتنانا

وَمِنَ النَّاسِ المجبولين على نسيان المنعم وكفران نعمه مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ المنزه المستغنى عن إيمانه وسعادته وعن كفره وشقاوته عَلى حَرْفٍ اى شاكا مترددا منتظرا على حرف منصرفا منحرفا بلا جزم منه فيه وطمأنينة كالذي يتمكن يوم الوغاء على طرف الجيش مترددا منتظرا ان أحس الظفر قر في مكانه وتمكن وإلا فر كذلك حال هذا المؤمن المتزلزل المتذبذب فَإِنْ أَصابَهُ بعد ما آمن واسلم خَيْرٌ اى شيء يسره ويفرحه اطْمَأَنَّ بِهِ وتمكن لأجله متفئلا بالإسلام والايمان وَإِنْ أَصابَتْهُ بعد اختياره الايمان والإسلام فِتْنَةٌ اى بلية ومصيبة تمله وتورثه حزنا قد انْقَلَبَ ورجع عَلى وَجْهِهِ اى وجهته التي تركها من الكفر متطيرا متشأما بالإيمان والإسلام وبالجملة قد خَسِرَ ذلك المتزلزل المتذبذب في الدُّنْيا بأنواع المصيبات والبليات وَفي الْآخِرَةَ بالحرمان من درجات الجنات والخلود في دركات النيران بأنواع الخسران وبالجملة ذلِكَ الخسران المستوعب له في النشأتين هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ والحرمان العظيم لا خسران أعظم منه وافحش

وكيف لا يخسر ذلك المطرود المردود هو يَدْعُوا ويعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ المتصف بعموم أوصاف الكمال المستحق للعبادة والإطاعة استحقاقا ذاتيا ووصفيا ما لا يَضُرُّهُ اى شيأ خسيسا دنيا ان عصاه ولم يؤمن به ولم يعبده لا يتأتى منه الضرر والانتقام وَما لا يَنْفَعُهُ ان أطاعه وعبده حق عبادته وأطاعته لا يتأتى منه ان يثيبه ويغفر له ذنوبه ويحسن اليه ذلِكَ اى الإطاعة والانقياد لشيء لا يرجى منه النفع والضر هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>