للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شدة كربهم

كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها اى من النار مِنْ غَمٍّ مفرط وشدتهم وكآبة قد عرض لهم من شدة العذاب فطلبوا ان يخرجوا منها حين ألقتهم اللهب الى الطرف الأعلى منها تفريجا وتخفيفا أُعِيدُوا فِيها زجرا وتعنيفا ضاربين عليهم بالمقامع المذكورة وَحينئذ يقول لهم الزبانية الموكلون ذُوقُوا ايها المصرون على الكفر والعناد المسرفون المفسدون بأنواع الفجور والفساد عَذابَ الْحَرِيقِ المحرق أكبادكم بدل ما قد كنتم تبردونها بالسحت والرشى في نشأة الدنيا.

ثم قال سبحانه على مقتضى سنته المستمرة إِنَّ اللَّهَ المتجلى على اهل الايمان بالتجليات الحبية الجمالية يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا بوحدة ذاته سبحانه وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المقبولة عنده سبحانه المقربة نحوه تأكيدا لإيمانهم جَنَّاتٍ وحدائق ذات بهجة ونضارة وصفاء ترويحا لهم وتفريحا وانشراحا لصدورهم وتفريجا لغمومهم حيث تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ المملوة بمياه المعارف والحقائق المذهبة للهموم الفارجة للكروب والغموم يُحَلَّوْنَ فِيها تهذيبا وتزيينا لظواهرهم من عكوس بواطنهم مِنْ أَساوِرَ متخذة مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً بها يرصع اساورهم وَلِباسُهُمْ دائما فِيها حَرِيرٌ تليينا لبشرتهم وتكميلا لترفههم وتنعمهم بدل ما كانوا يلبسون الصوف والخشن في دار الابتلاء والاختبار

وَلا يقتصر لهم فيها على تزيين الظاهر وتفريح الباطن فقط بل هُدُوا وارشدوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ ليتصفوا بالصدق والتصديق ويداوموا على مواظبة شكر الله دائما بقولهم الحمد لله الذي صدقنا وعده الحمد لله الذي هدانا لهذا وَبعد ما اتصفوا بالصدق والعدالة في الأقوال والأفعال هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ الذي هو التوحيد المسقط لعموم الإضافات مطلقا وقد اتصف به سبحانه لاستحقاقه بالحمد لذاته.

ثم قال سبحانه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله واعرضوا عن شعائر دينه وَمع ذلك يَصُدُّونَ ويصرفون الناس ايضا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وعن سلوك معالم الهدى ومسالك اليقين لا في وقت دون وقت بل دائما مستمرا وَلا سيما يصدونهم عن الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الذي قد حرم الله عنه الصد والمنع مطلقا مؤبدا لأنه الَّذِي قد جَعَلْناهُ قبلة لِلنَّاسِ كافة وقد فرضنا عليهم الطواف حولها عامة من استطاع أنهم اليه سبيلا ولهذا ما صار مكة شرفها الله وما حولها ملكا لاحد بل نسبة الكل اليه سَواءً الْعاكِفُ المقيم فِيهِ وَالْبادِ المسافر الوارد عليه وَمَنْ يُرِدْ ويقصد سوء بالنسبة اليه من صدود وغيره مع انه مقيم فِيهِ او في حواليه وصدر عنه ذلك السوء بِإِلْحادٍ ميل مقرون بِظُلْمٍ يعنى عن قصد وتعمد لا عن سهو وجهل نُذِقْهُ بمجرد قصده وان لم يأته من الفعل والصدود مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ مؤلم فجيع

وَكيف لا نذيقه من عذابنا الأليم إذ بناء بيتنا هذا انما هو على الطهارة الكاملة عن جميع الآثام والزكاء التام عن مطلق المعاصي والاجرام لذلك سمى بالمسجد الحرام اذكر يا أكمل الرسل وقت إِذْ بَوَّأْنا بينا وعينا لِإِبْراهِيمَ حين شرفناه بخلعة الخلافة والنيابة وأمرنا له ببناء بيتنا هذا مَكانَ الْبَيْتِ اى قد عينا له موضع الكعبة بعد ما اندرست وسقطت بالطوفان وصارت مسواة لا علامة لها أصلا وأعلمنا له مكانه بريح قد أرسلناها مع ابراهيم حين سافر لهذا القصد من فلسطين ووصل الى بطحاء فكنست الريح حولها وأظهرت اصول بنيانها التي قد بنى عليها آدم صلوات الله عليه فبناه على بنائه وحينئذ قد أوحينا لإبراهيم تربية وتعليما أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً من مظاهري واظلالى في الوجود معى وَبعد ما

<<  <  ج: ص:  >  >>