للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عما يؤذيهم يُدافِعُ كيد الكفرة العداة البغاة الطغاة عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا بالله وصدقوا بشعائر دينه وقصدوا إقامتها على مقتضى امره ووحيه وكيف لا يدفع سبحانه مع كمال قدرته وقوته خيانة من خان باحبائه واصدقائه إِنَّ اللَّهَ المنتقم لاعدائه لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ مبالغ في الخيانة سيما مع أوليائه كَفُورٍ مبالغ في كفران نعمه غايته إذ قد صرفها في غير محله مثل هدى الكفرة وذبحهم لأصنامهم وأوثانهم ولما اشتد إضرار الكفرة على المسلمين وامتد إذا هم عليهم ظلما وعدوانا أراد المؤمنون ان يقاتلوا ويشاجروا معهم فمنعهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن القتال والحرب باذن الله ووحيه اليه صلّى الله عليه وسلّم سبعين مرة حتى نزلت سبعون آية في المنع وقال صلّى الله عليه وسلم في كل مرة اصبروا حتى يأتى الله ثم لما شق على المسلمين ظلمهم وضرهم وصاروا مهانين أذلاء صاغرين مع قدرتهم على مقاتلتهم ومدافعتهم

أُذِنَ ورخص من جانب الحق على لسان رسوله صلى الله عليه وسلّم لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ ويريدون القتال معهم بعد ما تحملوا كثيرا من أذاهم وظلمهم فنزلت هذه الآية للرخصة بعد ما نزلت سبعون للمنع ولذلك قيل قد نسخت هذه الآية نيفا وسبعين آية وانما رخصهم سبحانه بها بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا اى بسبب انهم قد صاروا مظلومين صاغرين من أذى الكفار والمشركين وَإِنَّ اللَّهَ القادر المقتدر عَلى نَصْرِهِمْ اى نصر الأولياء على الأعداء لَقَدِيرٌ ينصرهم ويغلبهم عليهم وان كانوا اكثر منهم

وكيف لا ينتقم سبحانه على أعدائه لأجل أوليائه إذ هم الَّذِينَ قد أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ظلما وعدوانا بِغَيْرِ حَقٍّ وبلا رخصة شرعية موجبة للإخراج والاجلاء إِلَّا أَنْ يَقُولُوا يعنى لا موجب لإخراجهم سوى قولهم هذا رَبُّنَا اللَّهُ الواحد الأحد الفرد الصمد المنزه عن الشريك والولد وَكيف لا يدفع سبحانه شر الكفرة عن أوليائه الموحدين ولا ينصرهم على أعدائهم إذ لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ بتسليط اهل الايمان على المشركين المعاندين لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ لقد خربت وانهدمت البتة باستيلاء الأعداء على الأولياء صوامع اسم لمعابد الرهابنة وَبِيَعٌ للنصارى وَصَلَواتٌ هي كنائس اليهود وَمَساجِدُ للمسلمين وبالجملة انما أعد وهيئ كل واحد منها في الأديان المذكورة يُذْكَرُ فِيهَا اى ليذكر في كل واحدة منها اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً اى ذكرا كثيرا وحينا كثيرا وَالله لَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ المتكفل لعباده مَنْ يَنْصُرُهُ ومن يعين دينه ونبيه ويصدق كتابه إِنَّ اللَّهَ المطلع لما في صدور عباده من الإخلاص لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ غالب قادر على وجوه الانعام والانتقام لأوليائه وأعدائه كما سلط ضعفاء اهل الايمان على صناديد العرب والعجم من الاكاسرة والقياصرة وأشاع دينهم بين الأنام الى يوم القيمة وكيف لا ينصرهم سبحانه إذ هم الموحدون

الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ وقدرناهم وجعلنا لهم التصرف والاستيلاء فِي الْأَرْضِ وأقطارها المعدة للطاعات والعبادات أَقامُوا واداموا الصَّلاةَ والميل إلينا البتة بجميع جوارحهم واركانهم ميلا مقرونا بأنواع الخضوع والخشوع واصناف الاستكانة والانكسار تطهيرا لنفوسهم عن العتو والاستكبار وتقريبا لأنفسهم إلينا على وجه المذلة والافتقار وَمع ذلك قد آتَوُا الزَّكاةَ مصفية لبواطنهم عن زخرفة الدنيا الغدار وَقد أَمَرُوا ايضا على من دونهم بِالْمَعْرُوفِ المستحسن شرعا وعقلا وَكذلك نَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ المستقبح شرعا وطبعا على الوجه المبين لهم من السنة رسلهم وكتبهم المنزلة عليهم من الله وَبالجملة لِلَّهِ المدبر المصلح لأحوال عباده عاقِبَةُ الْأُمُورِ اى عواقب عموم الأمور ومآلها اليه سبحانه حقيقة وان صدرت

<<  <  ج: ص:  >  >>