للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ما أزال سبحانه ونسخ ما خلطه الشيطان وادخله في خلال الوحى من تلبيساته يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ المنزلة من عنده ويميزها ويفصلها احكاما تاما واتقانا محكما وتمييزا تماما وفضلا كاملا وَبالجملة اللَّهُ المدبر المصلح لأحوال عباده المطلع على استعداداتهم عَلِيمٌ بما انزل عليهم مما يناسب استعداداتهم حَكِيمٌ في انزاله وتدبيره حسب مصالحهم وان توهم ان الله قادر على محافظة أنبيائه ورسله سيما نبينا صلّى الله عليه وسلّم عن إلقاء الشيطان وتغريره وتخليطه إياهم أول مرة فلم لم يحفظهم من القائه حتى لا يصدر عنهم أمثال ما صدر حتى أصبح الى نسخه وإزالته بالآخرة

قيل انما لم يحفظهم سبحانه أول مرة لِيَجْعَلَ سبحانه ما يُلْقِي الشَّيْطانُ في أثناء الوحى فِتْنَةً ابتلاء واختبارا لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الحاد وميل عن الحق وانحراف عن طريقه هل يعرفون ويميزون كلام الحق من تسويلات الشياطين أم لا وَلا سيما المرضى الْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ عن ان يسع فيها كلام الله وآياته ألا وهم المشركون الذين قد ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة عظيمة وغطاء غليظ تمنعهم عن استماع آيات الله وادراك مقاصده وَبالجملة إِنَّ الظَّالِمِينَ الخارجين المتجاوزين عن مقتضى العقل والشرع باتخاذهم الجمادات التي قد نحتوها بأيديهم شركاء شفعاء عنده لَفِي شِقاقٍ خلاف وجدال بَعِيدٍ عن الحق بمراحل فمن لم يجعل الله له نورا فما له من نور

وَايضا لِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ اللدني من عند الله ووفقوا من لدنه لقبول أحكامه أَنَّهُ اى القرآن وآياته المشتملة على الأوامر والنواهي والحكم والاحكام والمعارف والحقائق او اقداره سبحانه الشيطان بالإلقاء والتخليط المذكور افتتانا منه سبحانه وابتلاء لعباده الْحَقُّ الثابت المحقق النازل الصادر مِنْ رَبِّكَ يا أكمل الرسل فَيُؤْمِنُوا بِهِ اى بالله بانزاله القرآن او باقداره الشيطان ان يلقى اختبارا لعباده فكيف بالسنة آحاد عباده وعلى قلوبهم فَتُخْبِتَ وتطمئن لَهُ قُلُوبُهُمْ ويزداد وثوقهم وصاروا على خطر عظيم واحتياط بليغ عن غوائل الشيطان وتغريراته ومن افتتان الله إياهم وَبالجملة إِنَّ اللَّهَ المطلع لضمائر عباده لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا وأخلصوا لله في عموم ما جاءوا به من الأعمال والأحوال والمواجيد والأفعال بلا شوب شك وتردد إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى توحيده بلا عوج وانحراف

وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا بالله وانصرفوا عن مقتضيات آياته الكبرى لمرض صدورهم وقسوة قلوبهم فِي مِرْيَةٍ شك وارتياب مِنْهُ اى من القرآن او من ابتلاء الله إياهم بإلقاء الشيطان حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ اى أشراطها واماراتها بَغْتَةً فجاءة وهم حينئذ في ريبهم وغفلتهم يترددون أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ هو عذاب يوم القيمة وصفه بالعقم إذ لا يقبل فيه توبة ولا ايمان ولا شفاعة كأنه عقيم لا يد لهم خيرا ولا يثمر فيه أعمالهم ثوابا وتوبتهم قبولا وكيف يقبل فيه توبة واستغفار وينفعهم فيه الايمان

إذ الْمُلْكُ المطلق والتصرف التام والاستيلاء الكامل يَوْمَئِذٍ بعد انقضاء نشأة الابتلاء والاختبار لِلَّهِ المستقل بالالوهية والربوبية وعموم التصرف مطلقا وان كان في النشأة الاولى ايضا كذلك إذ لا يجرى في ملكه الا ما يشاء ازلا وابدا دنيا وعقبى الا انه سبحانه قد أقدرهم على الإطاعة والانقياد في النشأة الاولى صورة كما أقدرهم على الإنكار والعناد فيها لحكم ومصالح قد استأثر بها سبحانه في غيبه بلا اطلاع احد عليه إذ هي هذه نشأة الافتتان والاختبار وبعد انقضائها لا يقبل منهم جبر ما فوتوا على نفوسهم في تلك النشأة الآتية التي هي نشأة الجزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>