للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الى أعلى طبقات الجنان

[الآيات]

قَدْ أَفْلَحَ وفاز بمرتبة حق اليقين التي هي أعلى مراتب التوحيد ومنتهى الصعود والعروج ومنقطع الطلب والسلوك الْمُؤْمِنُونَ الراسخون في اليقين العلمي والعيني الجازمون الثابتون فيهما بلا تزلزل وتلوين

الَّذِينَ هُمْ من كمال رسوخهم وتمكنهم فِي صَلاتِهِمْ وميلهم التي هي عبارة عن معراج الوصول الى مرتبة الرضاء والقبول خاشِعُونَ مخبتون متضرعون متحننون نحو الحق عن ظهر القلب وعموم الجوارح والأعضاء بلا تلعثم وعثور

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ الشاغل لهم عن التوجه نحو الحق مُعْرِضُونَ منصرفون مثل اعراضهم وانصرافهم عن مكروهات نفوسهم وقلوبهم

وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ المطهرة لنفوسهم عن الميل نحو امتعة الدنيا وحطامها الفانية فاعِلُونَ تمرينا لنفوسهم على ترك الميل والالتفات إليها

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ التي هي أجل مواريث بهيميتهم وأقوى قوائم بشريتهم حافِظُونَ ناكسون رؤسهم عن مقتضاها راكنون عما تأملها وتهويها

إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ من الإماء والسراري حفظا لحكمة إبقاء النوع ومصلحة التناسل فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ على ذلك ان ارتكبوا بلا مبالغة مفرطة زائدة على قدر الحاجة

فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ وطلب التجاوز عن قدر الحاجة من الحلائل المذكورة فَأُولئِكَ البعداء الخارجون عن مقتضى الحد والحكمة المتقنة الإلهية هم العادُونَ المقصورون على التجاوز والعدوان لا يرجى منهم الفلاح والفوز بالنجاح

وَالَّذِينَ هُمْ من كمال عدالتهم وقسطهم الفطري واعتدال اوصافهم الجبلية وأخلاقهم الصورية والمعنوية لِأَماناتِهِمْ التي قد ائتمنوا عليها ثقة واعتمادا وَعَهْدِهِمْ الذي عهدوا به سواء كانت الامانة والعهد لله او لعباده مطلقا سواء كانوا مؤمنين او كافرين راعُونَ قائمون مواظبون على حفظها ورعاية حقها بلا فوت شيء من حقوقها ورعايتها

وَبالجملة المؤمنون المفلحون الفائزون بالعاقبة الحميدة التي هي مرتبة الكشف والشهود المعبر عنها عند ارباب المحبة والولاء بالحق اليقين الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ المقربة لهم الى ربهم يُحافِظُونَ يداومون ويواظبون على أدائها في أوقاتها المكتوبة بشرائطها المفروضة وآدابها المسنونة مقارنين موصوفين مع ما ذكر من الأوصاف الجميلة المذكورة آنفا ومع الأخلاق الحميدة المرضية والسجايا الفاضلة الكاملة مخلصين فيها مجتنبين عن رذائل الرياء والرعونة والعجب والسمعة

أُولئِكَ السعداء المقبولون عند الله هُمُ الأولياء الْوارِثُونَ عن الأنبياء والرسل وعن صفوة عباده وخيرتهم

يعنى الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ التي هي عبارة عن التحقق بمقام الكشف والشهود باستحقاقهم الذاتي سيما مع استرشادهم واستفادتهم من الأنبياء والرسل الهادين المهديين الراشدين المرشدين لهم الى ما جبلوا لأجله لذلك هُمْ فِيها خالِدُونَ دائمون متمكنون متقررون بحيث لا يتبدلون ولا يتحولون

وَكيف لا يرثون الفردوس ولا يخلدون فيها أولئك المفلحون مع انهم قد جبلوا لأجلها سيما إذا كملوا وتمموا نسكهم على الوجه الذي هداهم الأنبياء والرسل الهادون والأولياء الأمناء الراشدون المرشدون الذينهم خلفاء عن الرسل الكرام والأنبياء العظام عليهم التحية والسّلام والإكرام وهؤلاء العظماء الواصلون الى أعلى المقامات وارفع الدرجات منتشؤن من نوع الإنسان مع انا لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وقدرنا جسم آدم وبنيته أولا مِنْ سُلالَةٍ اى زبدة وخلاصة منتخبة متخذة مِنْ طِينٍ الذي هو أقوى مواد الأجسام السفلية وأقوم عناصرها وهيولاها ولا شك انه أدون الأشياء وارذلها

ثُمَّ جَعَلْناهُ وصيرنا ما انتخبنا وأخذنا من الطين نُطْفَةً بيضاء وقررناها زمانا فِي قَرارٍ ومستقر مَكِينٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>