للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصين متين الذي هو ظلمة الرحم

ثُمَّ بعد ما مكناها في المقر المذكور المكين زمانا قد خَلَقْنَا وصيرنا النُّطْفَةَ المقررة المتمكنة في الرحم عَلَقَةً دما حمراء منعقدة ممتزجة بدم الطمث منصبغة به فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ الحمراء مُضْغَةً لحما متصلا ملتصقا اجزاؤه بحيث صار قابلا للمضع فَخَلَقْنَا وصيرنا بعد ذلك الْمُضْغَةَ الملتصقة المتصلة بعد انفصالها وتفريقها التقديري بمقتضى الحكمة عِظاماً صلبة خارجة عن قابلية المضغ والتليين مقومة محكمة غير مائلة وغير قابلة للتبديل والتحريف ليكون قوائم واعمدة للجسم فَكَسَوْنَا الْعِظامَ الصلبة القابلة للكسر والانكسار لَحْماً صونا لها عما يضرها ويكسرها فتم حينئذ تركيب صورته الجسمية وقالبه الطبيعي بجميع لوازمها ومتمماتها من العروق والعظام والغضاريف والشريانات وغيرها من الرباطات والارتباطات ورقائق الامتزاجات ودقائق الاختلاطات الواقعة بين أجزاء البدن ثُمَّ بعد ما تم تركيبه وكمل مزاجه وتصويره على أبدع وجه وأحسنه وصار حيوانا حساسا متحركا بالإرادة كسائر الحيوانات أَنْشَأْناهُ اى قد أبدعنا واودعنا واخترعنا في هيكله خاصة خَلْقاً مخلوقا آخَرَ مختصا به من بين سائر انواع الحيوانات بان قد نفخنا فيه من روحنا حتى يسرى الى عموم أعضائه واجزائه وآلاته مطلقا ليتصف باوصافنا الكاملة ويتخلق باخلاقنا الفاضلة وما ذلك الا ليستحق بخلافتنا ونيابتنا ويليق لان يصير مرأة لنا قابلة لانعكاس اظلال أسمائنا الحسنى واوصافنا العليا فَتَبارَكَ تعالى وتعاظم اللَّهُ الواحد الأحد الفرد الصمد الحي القيوم القادر المقتدر بالقدرة الكاملة على إيجاد أمثال هذه التبدلات والتطورات التي قد تحيرت العقول عندها وانحسرت الافهام دونها وبالجملة سبحانه هو في ذاته أَحْسَنُ الْخالِقِينَ وأكرم القادرين المقدرين تقديرا وخلقا وأتمهم ابداعا واختراعا لو فرض مقدر غيره وخالق سواه مع انه محال عقلا وعادة بل لا اله الا هو ولا موجود سواه

ثُمَّ إِنَّكُمْ يا بنى آدم بَعْدَ ذلِكَ اى بعد تتميم صوركم ومعناكم على الوجه الذي ذكر لَمَيِّتُونَ بالآجال المقدرة من لدنا لانقضاء حياتكم في النشأة الأولى

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة للعرض والجزاء تُبْعَثُونَ وتحشرون في النشأة الاخرى لانتقاد ما اكتسبتم في النشأة الاولى ثم تجازون حسب ما تحاسبون فريق في الجنة معززون وفريق في النار معذبون الا ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

ثم أخذ سبحانه في تعداد نعمه على عباده تفضلا عليهم وامتنانا فقال وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ سموات طَرائِقَ متطارقة متطابقة بعضها فوق بعض مشتملة على كواكب مدبرات لما في عالم السفلى من الأشياء المتعلقة لمعاشكم وَبالجملة ما كُنَّا في حال من الأحوال السابقة واللاحقة عَنِ الْخَلْقِ اى عن جميع المخلوقات المستندة إلينا الظاهرة من امتداد اظلالنا المنعكسة من اوصافنا وأسمائنا غافِلِينَ ذاهلين عن حفظها وتفقدها ولولا امدادنا إياها طرفة لفنى الكل دفعة

وَمن كمال جودنا ووفور رحمتنا الى عموم عبادنا قد أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بعد ما اصعدنا الابخرة والادخنة من الأرض نحوها وركبناهما تركيبا بليغا بديعا الى ان صارت سحبا متراكمة متكاثفة فتقاطر منها الماء بمجاورة الهواء الباردة إياها ونفوذها فأرسلنا الى الأرض الجرز بِقَدَرٍ معلوم معتدل فَأَسْكَنَّاهُ وأدخلناه فِي خلال الْأَرْضِ وتجاويفها ومساماتها حتى ندخر فيها ثم فجرنا ينابيع يخرج الماء منها متدرجا ويجرى على قدر الحاجة تتميما لحوائج عبادنا وتيسيرا لهم في معاشهم وَإِنَّا بعد ما اسكنا وأجرينا الماء في الأرض عَلى ذَهابٍ بِهِ اى اذهاب الماء واعدامه بالاغوار والتفريق

<<  <  ج: ص:  >  >>