للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

امارات النشأة الاخرى تنبه حينئذ بقبح صنائعه التي قد اتى بها في النشأة الاولى قالَ حينئذ متضرعا الى الله نادما متمنيا متحسرا رَبِّ ارْجِعُونِ بفضلك وجودك الى النشأة الاولى

لَعَلِّي أَعْمَلُ بعد رجوعي عملا صالِحاً مصلحا فِيما تَرَكْتُ وأفسدت من امور الايمان والإطاعة والانقياد كَلَّا ردع له عن هذا السؤال والدعاء ومنع له عن إنجاح مسئوله إِنَّها اى طلب المراجعة كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها من غاية الحسرة والندامة متمنيا على ما فات عنه في دار الابتلاء وَالا كيف يرجع إليها إذ مِنْ وَرائِهِمْ اى امامهم وقدامهم بَرْزَخٌ وحجاب مانع يمنعهم عن الرجوع إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ يعنى لا يمكنهم الرجوع الى دار الدنيا والحيوة فيها الا الحيوة في يوم البعث والجزاء ولم يمكن لهم التدارك والتلافي فيها

فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ لحشر الأموات ونشرها من قبورهم فيخرجون منها حيارى سكارى تائهين هائمين فَلا أَنْسابَ ولا تعارف بَيْنَهُمْ يومئذ بل يفر كل امرء من أخيه وصاحبته وبنيه إذ لكل منهم يَوْمَئِذٍ شأن يغنيه ويشغله وَلا يَتَساءَلُونَ اى لا يسئل بعضهم احوال بعض بل كل نفس منهم رهينة بما كسبت قرينة بما اقترفت بلا التفات منها الى غيرها

فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ ورجحت خيراته وحسناته على شروره ومعاصيه فَأُولئِكَ السعداء المقبولون هُمُ الْمُفْلِحُونَ الفائزون المقصورون على الفلاح لا خوف عليهم ولا هم يحزنون

وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ ورجحت سيئاته على حسناته فَأُولئِكَ الأشقياء المردودون هم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ خسرانا مبينا الى حيث هم لانهماكهم في الشرور والسيئات فِي جَهَنَّمَ البعد والخذلان خالِدُونَ مخلدون دائمون ثابتون لا نجاة لهم منها أصلا ومن شدة اشتعال النار وتلهبها

تَلْفَحُ وتحرق وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها اى في النار كالِحُونَ عابسون حيث تقلص شفاههم عن أسنانهم بحيث تصل شفتهم العليا الى وسط رأسهم والسفلى الى سرتهم ومتى تضرعوا وتفزعوا وبثوا الشكوى الى الله قيل لهم من قبل الحق

أَلَمْ تَكُنْ آياتِي الدالة على عظمة ذاتى وكمال قدرتي على الانعام والانتقام تُتْلى عَلَيْكُمْ حين ابتليناكم في النشأة الاولى فَكُنْتُمْ من غاية غفلتكم وضلالكم بِها تُكَذِّبُونَ وتنكرون استكبارا فالآن قد لحق بكم وعرض عليكم ما انكرتم له وأعرضتم عنه وبعد ما سمعوا من التوبيخ والتقريع ما سمعوا

قالُوا متضرعين معترفين بما صدر عنهم من البغي والعناد رَبَّنا يا من ربانا على فطرة السعادة والهداية فافسدناها بالإنكار والتكذيب إذ قد غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا واستولت بنا امارتنا وتسلطت اهويتنا وشهواتنا علينا وَبالجملة قد كُنَّا بمتابعة تلك البغاة الغواة قَوْماً ضالِّينَ منحرفين منصرفين عن طريق الحق ناكبين عن الصراط المستقيم

رَبَّنا أَخْرِجْنا بفضلك وجودك مِنْها اى من النار فَإِنْ عُدْنا بعد ما خرجنا منها الى ما قد كنا عليها قبل من الغفلة والغرور فَإِنَّا حينئذ ظالِمُونَ لأنفسنا بالعرض على انواع العذاب والنكال

قالَ سبحانه في جوابهم زجرا لهم وتبكيتا اخْسَؤُا واسكتوا وتمكنوا فِيها اى في النار صاغرين وَلا تُكَلِّمُونِ معى ولا تناجوا الى لدفع عذابكم وتخفيفه وإخراجكم من النار إذ أنتم فيها خالدون اما تستحيون ايها المسرفون المفسدون منى اما تذكرون ما أنتم عليه

إِنَّهُ اى ان شأنكم وأمركم في دنياكم هذا وقد كانَ فَرِيقٌ مِنْ خلص عِبادِي يَقُولُونَ متضرعين متحننين نحونا راجين العفو والرحمة منا بقولهم رَبَّنا كما ربيتنا بأنواع الكرم قد آمَنَّا بك وصدقنا رسلك وكتبك فَاغْفِرْ لَنا ذنوبنا واستر علينا

<<  <  ج: ص:  >  >>