للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عيوبنا وَارْحَمْنا تفضلا وامتنانا علينا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ إذ رحمتك بنا لا تعلل بغرض منك وعوض منا ومتى سمعتم مناجاتهم هذه ودعاءهم هكذا

فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا مستهزئين بأقوالهم وأعمالهم مبالغين في الهزء والسخرية متوغلين في الغفلة والغرور حَتَّى أَنْسَوْكُمْ جهلكم وغفلتكم ذِكْرِي والتوجه نحوي والرجوع الى بل قد صرتم يومئذ غافلين ذاهلين عن كمال الإنسان مطلقا منحطين عن مرتبة الخلافة مستوجبين لانواع الهزل والضحك بفعلكم ونسيانكم هذا وَمع ذلك قد كُنْتُمْ أنتم مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ مع انهم ساعون نحونا سالكون في طريق توحيدنا طالبون الوصول الى ما هم جبلوا لأجله وأنتم عابثون مبطلون باطلون جاهلون لذلك

إِنِّي من كمال عطفي ولطفي معهم قد جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ احسن الجزاء بِما صَبَرُوا على اذياتكم ايها الجاهلون في النشأة الاولى وهم بسبب صبرهم وتمكنهم في دينهم ورسوخهم في ايمانهم في النشأة الاولى أَنَّهُمْ اليوم هُمُ الْفائِزُونَ المقصورون على الفوز والفلاح الى ما هو النجاة والنجاح بلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وبعد ما صار المفسدون المسرفون مخلدين في النار صاغرين مهانين فيها

قالَ لهم قائل من قبل الحق على سبيل التوبيخ والتقريع إظهارا لقبح استبدالهم واختيارهم الأدنى بدل الأعلى كَمْ لَبِثْتُمْ ايها الضالون المسرفون فِي الْأَرْضِ التي تستكبرون عليها خيلاء مغرورين عَدَدَ سِنِينَ اى كم مدة وسنة تستقرون عليها مترفهين

قالُوا مستقصرين مستقلين قد لَبِثْنا عليها يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ يعنى بل بعض يوم بالنسبة الى هذه الأيام الطوال التي قد كنا وصرنا فيها معذبين بل قد نسينا نحن مدة ما كنا عليها لغاية قصرها وقلتها ولا نقدر على تعيينها فَسْئَلِ الْعادِّينَ المعاصرين بنا عن اهل القبول والسرور والموكلين علينا من الملائكة المستحضرين لأعمارنا وأعمالنا وعموم ما قد كنا عليها من الأحوال والأفعال

قالَ القائل المذكور في جوابهم تصديقا لهم في مقالهم واستقلالهم واستقصارهم إِنْ لَبِثْتُمْ وما مكثتم فيها إِلَّا قَلِيلًا قصيرا في غاية القلة والقصر وبالجملة لَوْ أَنَّكُمْ ايها الضالون المسرفون قد كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ في انفسكم طول مدة العذاب وعدم تناهيها لما اخترتم لأنفسكم ما يستجلب عليكم العذاب المؤبد وما يوقعكم فيه ومع جهلكم بهذا لم تقبلوه من الأنبياء العارفين الهادين ايضا بل قد انكرتم عليهم واستهزأتم بهم مستكبرين

أَزعمتم ايها الجاهلون المعاندون ان أفعالنا خالية عن الحكمة والمصلحة ومقدوراتنا قد صدرت عنا حشوا لغوا بلا طائل فَحَسِبْتُمْ وظننتم بل قد جزمتم وأيقنتم حسب تركب جهلكم المركوز في جبلتكم أَنَّما خَلَقْناكُمْ واظهرناكم من كتم العدم عَبَثاً اى قد كنا عابثين فيها وفي خلقها ساعين في إحداثها بلا طائل مرتكبين لها بلا حكم ومصالح وَايضا قد ظننتم ايها الغافلون الجاهلون أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ للجزاء وتنقيد الأعمال وعرض الأحوال أصلا وكيف لا ترجعون الى ربكم ايها المجرمون المسرفون وكيف عن أعمالكم وأفعالكم لا تسئلون ايها المسرفون المفرطون ولا تحاسبون ايها الضالون المضلون

فَتَعالَى اللَّهُ المحيط بالكل حضورا وشهودا قد تنزه ان يتصف ذاته بالغفلة والذهول وأوصافه بعدم الحيطة والشمول وأفعاله بالعبث والفضول إذ هو الْمَلِكُ المستجمع المستحضر بجميع مملكته والمالك المراقب المحافظ على عموم مملوكاته ومماليكه شأنه انه لا يعزب عنه مثقال ذرة لا في الأرض ولا في السماء وكيف يعزب ويغيب عنه شيء من الأشياء إذ هو الْحَقُّ المقرر الثابت المحقق الحي الدائم القيوم المطلق المثبت المتحقق

<<  <  ج: ص:  >  >>