للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاجتناب عن الرياء والسمعة وعن عموم الرعونات الواقعة في صدور الأعمال سواء كان عملك قليلا او كثيرا عزائم او رخصا وإياك إياك الحذر عن مداخل الرياء والتلبيس فإنها من شباك إبليس يضل بها ضعفاء الأنام من منهج الرشد وسبيل الاستقامة والسداد عصمنا الله وعموم عباده من تغريرات الشياطين وتسويلاتها بفضله وجوده

[سورة الفرقان]

[فاتحة سورة الفرقان]

لا يخفى على ذوى البصائر والألباب المنقطعين نحو الحق السائرين اليه الفارقين بينه وبين الباطل من اظلاله المستهلكة المعدومة في أنفسها الظاهرة المرئية في هياكل الموجودات وأشكالها ان إنزال هذا الكتاب الجامع لأحوال النشأتين الحاوي لأطوار المنزلتين انما هو لتفرقة الحق عن الباطل وتمييز المحق من المبطل لذلك قد سماه سبحانه فرقانا بين اهل الهداية والضلال من المجبولين على فطرة التوحيد المخلوقين لمصلحة الايمان والعرفان فمن امتثل بما فيه امرا ونهيا عظة وتذكيرا اشارة ورمزا حقيقة ومعرفة خلقا وأدبا مثالا وعبرة فقد فاز بمرتبة العرفان بعد جذب الحق نحو ذاته وكحل عين بصيرته بكحل التوحيد ورفع سبل الغربة وسدل التعينات عنها برمتها والاسترشاد من هذا الكتاب موقوف على الاتصاف بأوصاف من انزل اليه وعلى التخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه والسلوك اثر سننه بلا فوت شيء منها وإهمال دقيقة من دقائقها حتى تحصل المناسبة المعتبرة بينه صلّى الله عليه وسلّم وبين هذا الكتاب وينزل على قلبه ما نزل فيه من المعارف والحقائق كما اخبر سبحانه عن تنزيله إياه صلّى الله عليه وسلّم متيمنا متبركا باسمه الأعلى بِسْمِ اللَّهِ الذي قد انزل الكتاب على عبده ليبين للناس احوال مبدئهم ومعادهم وينبه عليهم طريق التفرقة بين الحق والباطل والصلاح والفساد الرَّحْمنِ عليهم بإرسال الرسول المبين لهم ما هو الأصلح لحالهم من السداد والإرشاد الرَّحِيمِ يوصلهم الى مرتبة التوحيد الذاتي بعد رفع الحجب بلا ميل والحاد

[الآيات]

تَبارَكَ الله تعاظم وتعالى ذاته سبحانه من ان يحيط بمنافعه وكثرة خيراته وبركاته عقول مظاهره ومصنوعاته حتى يعدوها بألسنتهم ويعبروا عنها بأفواههم حالا او مقالا الحكيم العليم الَّذِي نَزَّلَ بمقتضى جوده الواسع وكرمه الكامل الْفُرْقانَ اى القرآن الجامع لفوائد الكتب السالفة مع زوائد قد خلت عنها تلك الكتب تفضلا وامتنانا ومزيد اهتمام عَلى شأن عَبْدِهِ صلّى الله عليه وسلّم بعد ما هيأه لقبوله وأعده لنزوله ورباه أربعين سنة تتميما لأمر المناسبة المعنوية وتحصيلا لها حتى يستعد ويستحق لنزول الوحى والإلهام ولخلعة الخلافة والنيابة وانما أنزله هذا لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ اى كافة المخلوقين على فطرة التكليف وعامة المجبولين على استعداد المعرفة واليقين نَذِيراً ينذرهم ويحذرهم عما يضرهم ويغويهم عن صراط الحق وطريق توحيده عناية منه سبحانه إياهم ومرشدا لهم الى مبدئهم ومعادهم

وكيف لا يرشدهم سبحانه مع انه هو المالك المطلق والمتصرف المستقل الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ اى عالم الأسماء والصفات المعبر عنها بالعلويات وَالْأَرْضِ اى الطبائع السفلية القابلة للانعكاس من العلويات فلا يضر كثرة الأسماء والصفات وحدوث العكوس والتعينات حسب الشئون والتجليات الإلهية وحدته الذاتية وانفراده الحقيقي وَلهذا لَمْ يَتَّخِذْ سبحانه وَلَداً حتى يتكثر وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ اى في تحققه ووجوده وملكه وملكوته حتى ينازع ويتضرر

<<  <  ج: ص:  >  >>