للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ اتُّبِعُوا لهم من المتخذين وَذلك حين رَأَوُا اى المتبوعون المعبودون الْعَذابَ النازل على تابعيهم باتخاذهم آلهة وكذبوهم وأظهروا البراءة عنهم ليبرؤا نفوسهم عن الإضلال والتضليل والتابعون ايضا بعد ما يرونهم كذلك ويفهمون منهم براءتهم عنهم أخذوا يقصدون انتقامهم وَلا يستطيعون إذ قد تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ اى اسباب الانتقام بانقطاع النشأة الاولى

وَبعد ما ايسوا من الانتقام قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا نادمين متحسرين متمنين لَوْ أَنَّ لَنا ولهم كَرَّةً مكررة في النشأة الاولى مرة اخرى فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ فيها تلافيا وتداركا لما مضى من اتخاذنا إياهم آلهة كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا أولئك في هذه النشأة الاخروية وبالجملة ما ينفعهم هذه الندامة والتمني بل ما يزيدهم إلا غراما فوق غرام وأواما غب أوام كَذلِكَ اى مثل عذابهم على قدر اتخاذهم يُرِيهِمُ اللَّهُ اى يحضرهم أَعْمالَهُمْ الفاسدة السابقة كلها ويعذبهم عليها فردا فردا ويقول لهم ماذا تقولون فيه وما لهم في تلك الحالة سوى حَسَراتٍ نازلة عَلَيْهِمْ من تذكر سوء عملهم وقبح صنيعهم وهذا من أسوأ العذاب وأشد العقاب أعاذنا الله من ذلك وَبالجملة ما هُمْ لا التابعون ولا المتبوعون بِخارِجِينَ ناجين ابدا مِنَ النَّارِ اى نار البعد والإمكان المورث لهم من اصناف البغي والعدوان المورث لانواع الخيبة والخذلان اجرنا من النار يا مجير ثم لما بين سبحانه طريق توحيده على خلص عباده المتوجهين نحو جنابه تطهيرا لبواطنهم عن خبائث الأهواء الباطلة والآراء الفاسدة أراد أن يرشدهم الى تهذيب ظواهرهم ايضا وتحليتهم بالخصال الحميدة الجميلة والأخلاق المرضية المعتدلة ليكون ظاهرهم عنوانا لباطنهم

فقال مناديا لهم إشفاقا وإرشادا يا أَيُّهَا النَّاسُ المجبولون على فطرة التوحيد كُلُوا وتناولوا من جميع ما خلق لكم فِي الْأَرْضِ لتقويم مزاجكم وتقويته حَلالًا إذ الاصل في الأشياء الحل ما لم يرد على حرمته الشرع طَيِّباً مما يحصل بكد يمينكم وعرق جبينكم إذ لا رزق أطيب منه وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى لا تقتدوا ولا تقتفوا في تحصيل الرزق اثر وساوس شياطين الأهواء والآراء المضلة عن طريق الحق المفضية الى سبيل الظلم والعدوان ولا تغتروا بتمويهات الشيطان وتزييناته «٢» إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ظاهر العداوة عند ذوى البصائر الناظرين بنور الله المقتبسين من مشكاة توحيده

إِنَّما يَأْمُرُكُمْ ويغرركم بِالسُّوءِ اى الخصلة الذميمة وَالْفَحْشاءِ الظاهرة القبيحة ليخرجكم عن حدود الله الموضوعة فيكم لتهذيب ظاهركم وَأَنْ تَقُولُوا بعد ما خرجتم عن حدود الشرع عَلَى اللَّهِ المتوحد المتفرد المنزه في ذاته ما لا تَعْلَمُونَ لياقته في حقه من حصره في الأنداد والأشباه واثبات الولد له والمكان والجهة والجسم تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا

وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اى للمتبعين خطوات الشيطان امحاضا للنصح وتحريكا لحمية الفطرة الاصلية اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ على نبيه من الهدى والبينات لتهتدوا الى توحيد الله قالُوا في الجواب بإلقاء شياطينهم لا نتبع ما القيتم أنتم علينا من المزخرفات بَلْ نحن ما نَتَّبِعُ الا ما أَلْفَيْنا وما وجدنا عَلَيْهِ آباءَنا وهم اعقل منا ومنكم قل لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا توبيخا وتقريعا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ الضالون الجاهلون لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً من شعائر


(٢) منها ملازمة السكان ومدافعة الدربان ومدارات اهل الديوان والمجاملة مع الصدور والأعيان والمصاحبة مع الظلمة والأعوان والمنازعة مع الاخوان والمخاصمة مع الأقران والمفاخرة على اهل الزمان والعداوة مع ارباب اليقين والعرفان والرياسة على ضعفاء اهل الايمان كل ذلك من تسويلات نفس الإنسان المعبرة عنها بالشيطان عصمنا الله الحفيظ المنان من طغيان النفس والشيطان وهو المستعان وعليه التكلان

<<  <  ج: ص:  >  >>