للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العتو والعناد وادعوهم الى توحيدنا واظهرا الدعوة لهم فذهبا بمقتضى الأمر الوجوبي فدعوا فرعون وقومه الى ما امرا فأبوا عن القبول وكذبوهما واستهزؤا معهما كبرا وخيلاء فأخذناهم بتكذيبهم واستنكافهم فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً اى قد أهلكناهم إهلاكا كليا بحيث لم يبق احد منهم على وجه الأرض

وَقد دمرنا ايضا قَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ اى حين كذبوا نوحا ومن مضى قبله من الأنبياء إذ قد أمرهم نوح بتصديقهم ايضا والايمان بهم فكذبوا به اصالة وبهم تبعا لذلك أَغْرَقْناهُمْ بالطوفان جميعا وَجَعَلْناهُمْ اى قد جعلنا اغراقنا إياهم بالمرة لِلنَّاسِ المعتبرين من أمثال هذه الوقائع والخطوب العظام آيَةً علامة وعبرة يعتبرون منها ويستوحشون من إلمام أمثالها إياهم لذلك يحسنون الأدب مع الله ورسوله خوفا من بطشه وانتقامه وَكيف لا يخافون من بطشنا وانتقامنا إذ قد أَعْتَدْنا وهيئنا لِلظَّالِمِينَ الخارجين عن مقتضيات حدودنا وأحكامنا عَذاباً أَلِيماً مؤلما أشد إيلام وانتقمنا منهم صعب انتقام

وَقد دمرنا ايضا عاداً وَثَمُودَ يعنى قوم هود وصالح عليهما السلام المكذبين لعموم الأنبياء بتكذيبهم إياهما وانكارهم على ما قد ظهر عليهما من الدعوة الى طريق الحق وَكذا قد دمرنا أَصْحابَ الرَّسِّ ايضا بتكذيبهم رسولهم قيل هم كانوا يعبدون الأصنام فأرسل الله سبحانه إليهم شعيبا عليه السلام فكذبوه وهم يسكنون حينئذ حول الرس وهو البئر الغير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم وقيل الرس قرية بفلج اليمامة قد كان فيها بقية قوم ثمود فبعث الله إليهم نبيا فقتلوه فهلكوا وقيل اصحاب الرس هي اصحاب الأخدود وقيل قرية بانطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار وقيل هم اصحاب حنظلة بن صفوان النبي عليه السلام ابتلاهم الله بطير عظيم كان فيها من كل لون وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتخ او دمخ وكانت تنقض على صبيانهم فتخطفهم وقت إذ أعوزها الصيد فلذلك سميت مغربا فدعا عليها حنظلة عليه السلام فاصابتها الصاعقة ثم انهم قد كذبوا حنظلة عليه السلام فقتلوه فاهلكوا لذلك وقيل قوم قتلوا نبيهم ورسوه اى دسوه في بئر وَبالجملة قد دمرنا بواسطة تكذيب رسلنا قُرُوناً أخر اى اهل قرون وإعصار قيل القرن أربعون سنة وقيل مائة وعشرون سنة بَيْنَ ذلِكَ المذكور من الأمم الهالكة كَثِيراً لا يعلم عددها الا الله

وَبالجملة كُلًّا اى كل واحد من الأمم الهالكة المذكورة وغير المذكورة قد ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ أولا من الذين هلكوا قبلهم بالتكذيب وبينا له الاحكام والشرائع الموضوعة على مقتضى حكتنا ومصلحتنا فكذبوها ظلما وعدوانا فأهلكناهم بتكذيبهم خيبة وخسرانا بواسطة تلك الخصلة المذمومة المشتركة بينهم وَكُلًّا منهم قد تَبَّرْنا وفتتنا اجزاءه تَتْبِيراً تفتيتا شديدا وتشتيتا بليغا الى حيث لم يبق منهم احد يخلفهم ويحيى اسمهم

ثم أخذ سبحانه بتعيير قريش وتوبيخهم وبيان قساوة قلوبهم وشدة شكيمتهم مع رسول الله وكمال غيهم وغفلتهم عن الله ونهاية عمههم وسكرتهم وعتوهم واستكبارهم وخيلائهم في أنفسهم بحيث لم يتأثروا ولم يتعظوا مما جرى على أمثالهم من العصاة البغاة المتمردين عن الله ورسله فقال سبحانه مؤكدا بالقسم على سبيل التعجب من شدة قسوتهم وَالله لَقَدْ أَتَوْا يعنى القريش كانوا يذهبون الى الشأم للتجارة ويمرون في كل مرة ذهابا وإيابا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي قد أُمْطِرَتْ على أهلها مَطَرَ السَّوْءِ يعنى الحجارة قهرا من الله إياهم وزجرا لهم من سوء فعالهم وخروجهم عن حدود الله وسوء الأدب مع الله ورسوله

<<  <  ج: ص:  >  >>