للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوحيد وان كان بحسب الظاهر إذ لا موجود حقيقة الا الواحد القهار قَبْضاً يَسِيراً سهلا بان قدر ناله التغير والتجدد على تعاقب الأمثال ليدل على ان لا وجود لها لذاتها إذ لو كان وجود من نفسها لم يطرأ عليها التغير والانتقال مطلقا فعلم من هذه التغيرات الواقعة في الأكوان ان لا وجود لها لذاتها في الحقيقة بل لا وجود حقيقة الا للواجب الذي هو نفس الوجود المنبسط عليها.

ثم نزل سبحانه عن خطاب حبيبه صلّى الله عليه وسلّم في المعارف والحقائق المتعلقة بالوحدة الذاتية السارية في الأكوان وكيفية ارتباط الأكوان عليها الى مخاطبة العوام على مقتضى استعداداتهم وقابلياتهم فقال وَكيف تغفلون أنتم عن مبدعكم ومظهركم ايها الغافلون مع انه هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً تسترون بظلمته عن أعين الناس لئلا يطلع بعضكم مقابيح بعض وَايضا قد جعل النَّوْمَ فيه سُباتاً راحة للأبدان بعد قطع المشاغل وقضاء الأوطار المتعلقة بالنهار وَايضا قد جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً تنتشرون فيه في اقطار الأرض لطلب المعاش كل ذلك بتقدير الله وتدبيره وإصلاحه لأمور عباده

وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً مبشرا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ اى قدام المطر يبشركم بنزوله وَبعد تبشيرنا إياكم بالرياح المبشرات قد أَنْزَلْنا من مقام جودنا مِنَ جانب السَّماءِ ماءً طَهُوراً متناهيا في الطهارة والنظافة بالغا أقصى غايتها

لِنُحْيِيَ بِهِ اى بالماء بَلْدَةً مَيْتاً قفرا يابسا جامدا بأنواع النباتات والخضروات وَنُسْقِيَهُ اى بالماء مِمَّا خَلَقْنا في البراري والبوادي أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً وهي جمع انسان حذف نونه وعوض منها الياء فأدغم او جمع انسى خصهم بالذكر لان اهل الحضر يسكنون قريب المنابع والأنهار وهم ودوابهم انما يسقون من المطر لبعدهم عن المنابع والأنهار

وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ اى المطر بَيْنَهُمْ انعاما لهم وإصلاحا لحالهم وكررنا ذكره في هذا الكتاب وكذا في الكتب السالفة لِيَذَّكَّرُوا ويتفكروا في جلائل نعمنا وانعامنا ويواظبوا على شكرها لنزداد لهم ومع ذلك فَأَبى وامتنع أَكْثَرُ النَّاسِ عن قبوله وتذكره بل ما ازدادوا إِلَّا كُفُوراً اى كفرانا للنعم وإنكارا لمنعمها حيث يقولون منكرين على المنعم قد مطرنا بنوء كذا

وَمن شدة بغيهم وكفرانهم لَوْ شِئْنا وتعلقت مشيئتنا لإنذار كل منهم بمنذر مخصوص لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ من القرى نبيا نَذِيراً ينذرهم عما هم عليه من الكفران والطغيان ولكن قد بعثناك يا أكمل الرسل الى كافتهم وعامتهم تعظيما لشأنك وإجلالا لقدرك ومكانك فلك ان لا تعي من أعباء رسالتنا وتبليغ ما امرناك به ولا تلتفت الى مزخرفاتهم التي أرادوا ان يخدعوك بها

وبالجملة فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ المصرين على الكفر والكفران والعناد والطغيان بحال ولا تتبع أهواءهم مطلقا بل وَجاهِدْهُمْ بِهِ اى بدينك هذا جِهاداً كَبِيراً حتى تقمع وتقلع دينهم الباطل عن أصلها وتروج دينك الحق ترويجا بليغا الى حيث يظهر دينك على الأديان كلها وكفى بالله حسيبا

وَقل لهم تنبيها عليهم كيف تغفلون عن ربكم وتنصرفون عن دينه الموضوع فيكم إصلاحا لحالكم مع انه سبحانه هُوَ الحكيم العليم الَّذِي قد مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ اى الشرك والتوحيد وكلاهما متجاورين متلاصقين في فضاء الوجود مع انه هذا اى التوحيد عَذْبٌ فُراتٌ سائغ شرابه للمتعطشين بزلاله وَهذا اى الشرك والكفر مِلْحٌ أُجاجٌ اى مر مالح في كمال الملوحة والمرارة بحيث يقطع أمعاء شاربيها وَمن كمال لطف الله ومرحمته على عباده قد جَعَلَ سبحانه دين الإسلام والشريعة المصطفوية الموضوعة لضبطه بَيْنَهُما

<<  <  ج: ص:  >  >>