للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اى بين التوحيد والشرك بَرْزَخاً مانعا من التصاقهما واتصالهما وَقد جعله حِجْراً مَحْجُوراً اى حدا حصينا محدودا مانعا عن امتزاجهما واختلاطهما

وَكيف تنكرون ايها المنكرون سريان وحدته الذاتية على صفائح مظاهره مع انه سبحانه هُوَ الَّذِي خَلَقَ اى اظهر وأوجد تنبيها لعباده على سر توحيده مِنَ الْماءِ اى النطفة بَشَراً سويا ذا أجزاء مختلفة طبعا وشكلا صلابة ولينا قوة وضعفا رقة وغلظا الى غير ذلك من الصفات المتقابلة والاجزاء المتفاوتة التي قد عجزت عن تشريح جزء من أجزاء شخص من اشخاص نوع الإنسان فحول الحكماء مع توفر دواعيهم لكشفها الى حيث تاهوا وتحيروا عن ضبط ما فيه من الامتزاجات والارتباطات فكيف عن جميع اجزائه وبعد ما قد قدره سبحانه وسواه بكمال قدرته وقوته ووفور حكمته قسمه قسمين فَجَعَلَهُ نَسَباً وقد جعل قسما منه ذكرا ذا نسب ونسل نسب اليه من يخلفه من أولاده الحاصلة من نطفة وَجعل قسما آخر منه صِهْراً أنثى يصاهر بها اى يختلط ويمتزج الذكر معها إبقاء للنوع وتتميما له لبقائه على سبيل التناسل والتوالد الى ما شاء الله وَبالجملة قد كانَ رَبُّكَ الذي رباك يا أكمل الرسل على كمال الذكاء والفطنة في فهم دقائق توحيده ورقائق تجلياته الجلالية والجمالية قَدِيراً على كل ما أراد وشاء بلا فتور وقصور

وَمع كمال قدرته سبحانه وعلو شانه وسطوع برهانه يَعْبُدُونَ من خبث طينتهم وشدة قسوتهم وضغينتهم مِنْ دُونِ اللَّهِ الحقيق بالمعبودية الوحيد في الربوبية والألوهية ذاتا ووصفا واسما ما لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ يعنى أصناما وأوثانا لا يرجى نفعهم ولا ضرهم لا لأنفسهم ولا لغيرهم وبالجملة لا يملكون شيأ من لوازم الألوهية والربوبية مطلقا وَبالجملة قد كانَ الْكافِرُ الجاهد الجاهل بذات الله وبكمالات أسمائه وصفاته عَلى رَبِّهِ الذي رباه بمقتضى أوصافه وأسمائه ظَهِيراً يظهر عليه بالباطل ويظاهره وينبذ الحق وراء ظهره ويخالفه ولا يلتفت اليه عتوا واستكبارا

وَما أَرْسَلْناكَ يا أكمل الرسل إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً الى كافة البرايا وعامة العباد لتبشرهم وترشدهم على ما ينفعهم وتنذرهم عما يضرهم يعنى تهديهم الى المعرفة والتوحيد الذي هم جبلوا لأجله وتمنعهم عن المفاسد المنافية له ولطريقه وان نسبوك يا أكمل الرسل الى أخذ الجعل والرشى لإرشادك وهدايتك إياهم

قُلْ لهم تبكيتا وإلزاما ما أَسْئَلُكُمْ وما اطلب منكم عَلَيْهِ اى على تبليغى إياكم ما اوحى الى من ربي وإرشادي لكم بمقتضى الوحى الإلهي مِنْ أَجْرٍ جعل ومال آخذه منكم واجعله سببا للجاه والثروة وانواع المفاخرة والمباهات بها كما هو عادة الجهلة المتشيخين في هذا الزمان هم من عونة الشيطان نسبوا أنفسهم الى الصوفية المتشرعين تلبيسا وتغريرا وأخذوا من ضعفاء العوام من حطام الدنيا بعد ما أفسدوا عقائدهم بأنواع التلبيسات والتدليسات وتحليل المحرمات واباحة المحظورات واختزنوها ثم ادعوا بسببها السيادة والرياسة حتى مضوا عليها زمانا وكثروا الاتباع والاحشام بها وهيئوا الأعوان والأنصار بتلبيسهم هذا ثم بعد ذلك قد بغوا على السلطان وقصدوا الخروج على اولى الأمر والطاعة واشتغلوا بتخريب البلدان وإضرار اهل الايمان وقصدوا اموال الأنام واعراضهم وسبى ذراريهم ومع ذلك قد سموا أنفسهم اهل الحق والعدل واصحاب المعرفة والايمان وارباب اليقين والعرفان الا ذلك هو الخسران المبين والطغيان العظيم عصمنا الله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا بل ما أريد واطلب بتبليغي هذا إِلَّا هداية مَنْ شاءَ وأراد سبحانه بتوفيقه إياه ممن قد سبقت لهم العناية الازلية أَنْ يَتَّخِذَ

<<  <  ج: ص:  >  >>