للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويطلب إِلى رَبِّهِ الذي رباه بأنواع الكمالات سَبِيلًا يوصله الى معرفته وتوحيده

وَان انصرفوا عنك يا أكمل الرسل واعرضوا عن هدايتك وارشادك وقصدوا مقتك وقتلك عدوانا وظلما لا تبال يا أكمل الرسل بهم وبشأنهم ولا تحزن عن أمرهم هذا بل تَوَكَّلْ في مقابلتهم ومقاومتهم عَلَى الْحَيِّ القيوم الَّذِي لا يَمُوتُ اى لا يطرأ عليه الموت والفناء وَسَبِّحْ ربك ونزهه عما لا يليق بشأنه مقارنا تسبيحك بِحَمْدِهِ على آلائه ونعمائه الفائضة عليك على التعاقب والتوالي سيما على ما قد اصطفاك من بين البرايا واعطاك الرياسة والسيادة على كافة الأنام والرسالة العامة على قاطبة الأمم وبلغ ما انزل إليك ولا تفرح من ايمانهم ولا تحزن ايضا على كفرهم وطغيانهم وَاعلم انه كَفى بِهِ اى كفى الله سبحانه بِذُنُوبِ عِبادِهِ ما ظهر منهم وما سيظهر وما بطن في استعداداتهم وكمن في قابلياتهم خَبِيراً مطلقا بصيرا على وجه الحضور والشهود ولا يعزب عن حيطة حضرة علمه المحيط شيء منها ومجازيا قديرا ومنتقما عزيزا يجازيهم بقدرته بمقتضى اطلاعه وخبرته

وكيف لا يعلم ولا يطلع سبحانه بعموم ما ظهر وما بطن إذ هو القادر الخالق الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ اى ابدعهما واظهرهما وَما بَيْنَهُما من كتم العدم بلا سبق الهيولى والزمان فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ اى في الجهات والأقطار الستة المحفوفة بها عموم الكوائن والفواسد ثُمَّ بعد ما كمل ترتيبها على ابلغ النظام قد اسْتَوى وتمكن وبسط واستولى عَلَى الْعَرْشِ اى عروش عموم المظاهر بالاستيلاء التام والبسطة العامة الغالبة الرَّحْمنُ الذي قد وسعت رحمته وعمت مرحمته على كل ما ظهر وما بطن غيبا وشهادة فَسْئَلْ بِهِ اى بما ذكر من خبرة الله واحاطة علمه وقدرته وإظهاره عموم ما برز وخفى وغاب وشهد واحاطته وشموله واستيلائه على عروش عموم الأكوان بالرحمة العامة الشاملة خَبِيراً بصيرا اذله خبرة تامة وولاية كاملة يخبرك بصدقها ارباب القلوب الصافية الواصلين الى مرتبة الكشف والشهود ممن سبقت لهم العناية الازلية وجذبته الجذبة الجالبة الغالبة الإلهية من قبل الحق المفنية لهم عن ذنوب انانياتهم الباطلة المبقية لهم ببقاء الحق الحقيق بالحقية

وَمع ظهور استيلاء الحق وانبساطه على عروش ذرائر الأكوان إِذا قِيلَ لَهُمُ على وجه الإيقاظ عن نعاس النسيان والتنبيه عن نومة الحرمان ورقدة الخذلان اسْجُدُوا واخضعوا وتذللوا لِلرَّحْمنِ المظهر من كتم العدم بسعة رحمته وجوده قالُوا منكرين له مع كمال ظهوره مستفهمين على سبيل الاستغراب والاستبعاد وَمَا الرَّحْمنُ الذي أنت تدعونا الى سجوده وقد أتوا في سؤالهم بلفظة ما من غاية نكارته عندهم وشدة انكارهم عليه قائلين ايضا أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا يعنى انخضع ونتذلل اى كل منا لكل مما تأمرنا بسجوده وتذلله أنت من تلقاء نفسك بلا برهان لاح لدينا ودليل ظهر علينا وَبالجملة ما زادَهُمْ قولك وأمرك هذا إياهم الا نُفُوراً عن الحق وطريق توحيده بخبث طينتهم وشدة شكيمتهم وغاية غيهم وقسوتهم

وكيف يتنفرون وينصرفون أولئك الجاهلون الغافلون عن سجوده سبحانه مع انه قد تَبارَكَ وتعالى شأنه ان ينصرف عنه ويتنفر عن عبادته احد من عباده سبحانه مع كثرة خيراته وبركاته عليهم لأنه الَّذِي قد جَعَلَ فِي السَّماءِ اى العلويات بُرُوجاً لتكون منازل الكواكب المدبرة للأمور الارضية وَبعد ما هيأها سبحانه على ابلغ النظام وابدعه قد جَعَلَ فِيها سِراجاً اى شهبا مضيئة دائرة من بروج الى بروج وَقَمَراً مُنِيراً منقلبا من منزل الى منزل من المنازل المذكورة المعروفة

<<  <  ج: ص:  >  >>