للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليحصل من دورانهما وانقلاباتهما الفصول الاربعة المصلحة لأحوال ما في السفليات من المواليد الثلاثة

وَكيف تغفلون عن الصانع الحكيم ايها الضالون المكابرون مع انه سبحانه هُوَ الحكيم العليم المدبر العظيم الَّذِي جَعَلَ لكم اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً متعاقبة متجددة مخلفا أحدهما بالآخر ليكونا مرصدا وميقاتا لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ يتذكر لآلاء الله المتوالية المتتالية عليه الفائضة من عنده على تعاقب الأوقات والآنات وتتابع الازمنة والساعات أَوْ أَرادَ شُكُوراً اى أراد ان يشكر على نعمائه الواصلة اليه في خلالهما

وَالمتذكرون لآلاء الله المواظبون لأداء حقوقها حسب طاقتهم وقدر قوتهم هم عِبادُ الرَّحْمنِ الواصلون الى مرتبة الرضوان الفائزون بلقاء الحنان المنان اللائح على صفائح الأكوان وعلامتهم انهم الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى وجه الْأَرْضِ التي هي محل انواع الفتن والفسادات هَوْناً هينين لينين بلا منازعة وجدال مع احد من بنى نوعهم وبلا سوء خصال وقبح فعال معهم من كبر وخيلاء وعجب ورياء وَهم من كمال سكينتهم ووقارهم وتلطفهم لعباد الله إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ بعلو شأنهم ورفعة مكانتهم ومكانهم سيما بما يكرهون من الشتم والوقاحة والاستهزاء قالُوا من سلامة نفوسهم وطيب قلوبهم سَلاماً وتسليما عليهم بلا تغير منهم وتأثر من قولهم وتركا لانتقامهم ومخاصمتهم توطينا لنفوسهم على التسليم والرضا بجريان القضاء من غاية الحلم وكظم الغيظ هكذا حالهم وشغلهم بين الناس في النهار

واما في الليل وَهم الَّذِينَ يَبِيتُونَ ويدخلون في الليل بائتين قد صاروا في خلاله لِرَبِّهِمْ سُجَّداً ساجدين واضعين جباههم على تراب المذلة والهوان طلبا لمرضاة الله بلا شوب السمعة والرياء والعجب والهوى لكونهم خالين في خلاله مع الله بلا وقوف احد عليهم وَقِياماً قائمين بين يدي الله تواضعا وإكراما

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ في مناجاتهم مع الله ورفع حاجاتهم نحوه سيما أعقاب صلواتهم وتهجداتهم في خلواتهم رَبَّنَا يا من ربانا بأنواع الكرامات اصْرِفْ عَنَّا بفضلك وجودك عَذابَ جَهَنَّمَ المعدة لعصاة عبادك إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً حتما لازما لنا لولا فضلك بنا وإحسانك علينا فإنهم مع كمال توجههم وتحننهم نحو الحق على وجه الإخلاص ورسوخهم في الأعمال الصالحة الخالصة بلا فوت شيء من لوازمها خائفون وجلون عن بطشه سبحانه وانتقامه لأنهم لا يتكؤن ولا يتكلون الى أعمالهم وطاعاتهم ولا يثقون بها بل ما يعتمدون ولا يثقون ولا يتمسكون الا بفضل الله وسعة رحمته وجوده قائلين مستبعدين من النار إِنَّها اى جهنم البعد والحرمان قد ساءَتْ مُسْتَقَرًّا لا يستقر احد فيها ساعة وآنا وَكيف ان يكون لنا مُقاماً نقيم فيها زمانا

وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا مما رزقهم الله من الأطائب المكتسبة بالأيدي على الفقراء والمساكين لَمْ يُسْرِفُوا في الانفاق الى ان وصل حد التبذير المذموم عقلا وشرعا وَلَمْ يَقْتُرُوا في الإمساك والمنع ايضا الى ان وصل حد التقتير المحرم المكروه المنكر شرعا وعقلا ومروءة وعادة وَبالجملة قد كانَ انفاقهم بَيْنَ ذلِكَ قَواماً وسطا عدلا بين طرفي الإفراط والتفريط المذمومين الساقطين عن درجة الاعتبار عند الله وعند المؤمنين المسقطين للنفس عن الاعتدال الحقيقي المقبول عند الله وعند عموم عباده

وَبالجملة أولئك المعتدلون المقسطون هم الموحدون الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ الواحد المستقل بالالوهية والربوبية إِلهاً آخَرَ يستحق للعبودية مثله وَمن جملة خصائلهم الحميدة انهم لا يَقْتُلُونَ بحال من الأحوال النَّفْسَ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>