للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بحيث يستحيى من غاية رفقهم ولطفهم المبتلون به لعل الله يتوب عليهم بكرامة رفقهم وبكرمه سبحانه بحيث لا يحومون حول ذلك اللغو بعد ذلك أصلا ولا يرومونه مطلقا لو جبلوا على فطرة الهداية والكرامة

وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا ووعظوا بِآياتِ رَبِّهِمْ الدالة على توحيده واستقلاله في ألوهيته وربوبيته لَمْ يَخِرُّوا ولم يسقطوا عَلَيْها اى على تلك الآيات صُمًّا أصمين غافلين عما فيها من الأوامر والنواهي والعبر والأمثال والرموز والإشارات وَعُمْياناً عميا عن مطالعة آثار أوصافه الجلالية وصفاته الجمالية فيها بل يخرون ويتذللون عند سماعها داعين حافظين بما فيها من المواعظ والتذكيرات المتعلقة لأحوالهم في النشأتين مطالعين منها آثار الأوصاف والأسماء الذاتية الإلهية ناظرين عليها بنظر العبرة والاستبصار مسترشدين منها حسب ما يسر الله لهم ووفقهم عليه

وَالَّذِينَ يَقُولُونَ داعين نحونا مناجين إلينا متضرعين قائلين رَبَّنا يا من ربانا على فطرة التوحيد والإيقان هَبْ لَنا بفضلك وسعة لطفك وجودك ممن في حوزتنا وحيطتنا وكشف حفظنا وجوارنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ اى اجعلهم بحيث تقر وتتنور عيوننا برؤيتهم من كمال صلاحهم وسدادهم ممتثلين بعموم أوامرك مجتنبين عن جميع نواهيك وَبعد ما قد وهبت لنا ولاهلينا يا مولانا ما تقر به عيوننا من الاتقاء عن محارمك والامتثال بأوامرك اجْعَلْنا بلطفك لِلْمُتَّقِينَ المحترزين الحذرين الحاذرين الخائفين عن محارمك ومنهياتك إِماماً مقتدى لهم مرشدا إياهم حسب توفيقك وتيسيرك نرشدهم الى طريق توحيدك وسبيل تقريدك وتمجيدك

وبالجملة أُوْلئِكَ السعداء المقبولون عند الله المذكورة اوصافهم من قوله سبحانه وعباد الرحمن الى هنا هم الذين يُجْزَوْنَ عند ربهم تفضلا عليهم وامتنانا الْغُرْفَةَ التي هي عبارة عن أعلى درجات الجنان وارفع مقاماتها كل ذلك بِما صَبَرُوا اى بسبب صبرهم وثباتهم على مشاق الطاعات والعبادات ومتاعب الرياضات والتحمل على قطع التعلقات وترك المألوفات وعلى الذب والانصراف عن جملة المشتهيات والمستلذات وَبعد ما استقروا عليها يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وترحيبا من قبل الملائكة من جميع الجوانب والجهات وَسَلاماً اى سلامة وتسليما لهم عن جميع الآفات والعاهات

خالِدِينَ فِيها اى الجنة لا يتحولون عنها ولا يتبدلون بل دائمون فيها مقيمون لذلك قد حَسُنَتْ الجنة مُسْتَقَرًّا لهم يستقرون فيها ويتمكنون عليها وَمُقاماً يقيمون ويتوطنون.

ثم لما دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عموم المشركين الى طريق الايمان والتوحيد وأمرهم بالطاعة والانقياد بعموم ما أمرهم الله ونهاهم سبحانه عنه بمقتضى الوحى والإلهام والكتاب المنزل من عنده وكذبوه وأنكروا له مكابرة وعنادا قائلين نحن لا نؤمن بك ولا بكتابك ولا بربك الذي ادعيت الرسالة من عنده ولا نطيع بما أمرنا به ونهينا عنه مطلقا وبالجملة نحن لا نقبل منك عموم ما جئت به من قبل ربك ونسبته اليه افتراء ومراء رد الله عليهم بقولهم هذا على ابلغ وجه وآكده مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم آمرا له بقوله قُلْ يا أكمل الرسل بعد ما انصرفوا عن دعوتك وعن الايمان بك وبربك وبكتابك ما يَعْبَؤُا بِكُمْ وما يبالى ولا يعتد لا بايمانكم ولا بكفركم رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ اى إطاعتكم وعبادتكم إياه وانقيادكم له فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أنتم بي وبربي وانكرتم بجميع ما جئت به من عنده سبحانه عنادا ومكابرة الزموا مكانكم فتربصوا وانتظروا لجزاء تكذيبكم وانكاركم فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً اى سيكون جزاء تكذيبكم وانكاركم حتما لازما ملازما عليكم جزما لا مقطع عنكم ابدا بل يكبكم سبحانه في النار خالدين صاغرين ويعذبكم فيها ذليلين مهانين نعوذ بك يا ذا القوة المتين

<<  <  ج: ص:  >  >>