للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الرسالة معاتبا عليه متهكما موبخا أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا زمانا يا موسى حين كنت وَلِيداً لا متعهد لك سوانا وَلَبِثْتَ فِينا بعد ما كبرت الى حيث قد مضى مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ قيل قد لبث فيهم ثلاثين سنة ثم خرج الى مدين عشر سنين ثم عاد إليهم يدعوهم الى التوحيد ثلاثين سنة ثم بقي بعد غرقهم خمسين سنة

وَبعد ما ربيناك بأنواع التربية والكرامة قد فَعَلْتَ من سوء صنيعك فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ بان قتلت نفسا بلا جريمة صدرت منها موجبة لقتلها بل قد قتلتها ظلما وعدوانا وَبالجملة ما أَنْتَ يا موسى الا مِنَ الْكافِرِينَ لنعمنا وحقوق كرمنا كفرا قد سقط به لياقتك للرسالة والهداية فالآن جئت تدعى الرسالة والإرشاد الى الهداية ايها الكافر الضال

قالَ موسى في جوابه معترفا بما صدر عنه في أوان جهله وغفلته قد فَعَلْتُها اى الفعلة المذكورة المذمومة إِذاً اى حينئذ وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ في تلك الحالة ومن الجاهلين بعواقب الأمور ومن الغافلين عما ترتب عليه من الأوزار والآصار

فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ وبعد ما فررت منكم لأجلها قد وصلت الى خدمة مرشد رشيد ومرب منبه نبيه يرشدني ويربيني بأنواع الفضائل والكرامات فَوَهَبَ لِي رَبِّي من شرف صحبته وحسن تربيته حُكْماً اى حكمة متقنة كاملة بالغة وَجَعَلَنِي حسب فضله وطوله مِنَ الْمُرْسَلِينَ فأرسلني إليكم لأدعوكم الى توحيد رب العالمين ثم شرع موسى في جواب ما قد من عليه فرعون من حقوق النعمة والتربية فقال

وَتِلْكَ النعمة التي قد عددت أنت ايها الطاغي الباغي نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ ليست تبرعا منك الى حتى أكون ممنونا بها منك بل ما هي الا أَنْ عَبَّدْتَ أنت زمانا طويلا قومي بَنِي إِسْرائِيلَ بك لها صاغرين مهانين مظلومين بأنواع الظلم والهوان وبالجملة ما انا ممنون منك حقيقة بل منهم لأنهم هم متسببون لتربيتك وحضانتك بي وبعد ما جرى بينهم ما جرى

قالَ فِرْعَوْنُ مستكبرا مستفهما على سبيل الإنكار والاستبعاد وَما رَبُّ الْعالَمِينَ اى ما هو وما ماهيته وحقيقته ولأي شيء تدعونا اليه عبر عنه لعنه الله سبحانه بما من غاية إنكاره واستحقاره إذ لفظة ما هي موضوعة للنكارة والإبهام

قالَ موسى في جوابه منبها له بناء على ظهوره سبحانه في الأكوان والآفاق هو رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وموجدهما ومظهرهما من كتم العدم وَكذا موجد ما حدث بَيْنَهُمَا من الكوائن والفواسد إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ اى من ذوى الإيقان والعرفان بحقائق المحدثات المبدعة بإبداع الله إياها من كتم العدم بلا سبق مادة وزمان بل بمجرد امتداد اظلال أسمائه وصفاته الذاتية على مرايا الاعدام بمقتضى التجليات الحبية المنتشئة من الذات الاحدية والا فلا يمكن تعريفه بإيراد الأجناس والفصول إذ هو سبحانه منزه عن الاشتراك والامتياز إذ الواحد من كل الوجوه المستقل بوجوب الوجود والتحقق مع امتناع غيره مطلقا لا يمكن ان يقومه جنس ويميزه فصل حتى يركب له حد او رسم وبعد ما سمع فرعون من موسى ما سمع

قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ من ملائه واشرافه متهكما بجوابه حسب بطره وخيلائه وترفعه بنفسه أَلا تَسْتَمِعُونَ جوابه ايها العقلاء قد سألته عن حقيقته وذاته فأجاب بعدّ أفعاله وآثاره المترتبة على أوصافه وأسمائه التي هي من عوارض ذاته وبعد ما سمع موسى بجوابه حسب تشنيعهم واستبعادهم أراد ان يزيد ايضا على تنبيههم فأجاب بظهوره سبحانه في الأنفس رجاء ان يتنبهوا حيث

قالَ هو رَبُّكُمْ مظهركم ومربيكم بأنواع التربية والكرامة وَايضا رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الأقدمين وبعد ما سمع فرعون كلامه ثانيا

قالَ حينئذ جازما عازما

<<  <  ج: ص:  >  >>