للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما جرى قد اقام فيهم موسى زمانا يدعوهم الى التوحيد دائما مستمرا وما زادوا الا عتوا وعنادا وادي عتوهم وعنادهم الى ان قصدوا مقته وهلاكه وقتل من معه من المؤمنين لذلك قد أَوْحَيْنا إِلى مُوسى بعد ما صمموا العزم لإهلاكه وقلنا له أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي يعنى سر ليلا يا موسى مع من تبعك من عبادي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ حتى يتبعكم ويعقبكم فرعون وجنوده فاسرى موسى مع المؤمنين امتثالا للأمر الوجوبي فاطلع فرعون وقومه على أسراء موسى ومن معه

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ شرطا فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ جامعين لجنوده ليتبعوهم وامر لشرطه بان قالوا للجيش ترغيبا لهم وتحريكا لحميتهم وتطميعا

إِنَّ هؤُلاءِ الفارين لَشِرْذِمَةٌ اى لطائفة وجماعة قَلِيلُونَ بالنسبة إلينا مع انهم ستمائة وسبعون الفا وقوم فرعون من كثرتهم لا يعد ولا يحصى

وَقد لزم علينا ان نتبعهم ونستأصلهم إِنَّهُمْ قوم عدو لَنا لَغائِظُونَ بنا يفعلون افعالا تغيظنا وتحرك غيظنا دائما فلنا ان نقلع عرقهم عن وجه الأرض

وَإِنَّا وان كنا أقوياء أشداء على عموم الأعداء لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ دائما عن كيدهم ومكرهم وافسادهم بأنواع الفسادات من قطع الطريق والالتجاء بالأعادي والمظاهرة معهم فلا بد لذوي الحزم والعزم من الضبط والاحتياط في عموم الأحوال وبالجملة

فَأَخْرَجْناهُمْ بعد ما تعلق ارادتنا باهلاكهم وإغراقهم بهذه الدواعي والبواعث المهيجة لنفوسهم الى الخروج والاقتفاء اثر أعدائهم مِنْ جَنَّاتٍ متنزهات بهية فيها فواكه شهية وَعُيُونٍ اى منابع وينابيع تجرى منها في خلال جناتهم الأنهار لنزيد صفاء ونضارة وبهجة وبهاء

وَكُنُوزٍ من الذهب والفضة مدفونة وغير مدفونة وَمَقامٍ كَرِيمٍ هو المنازل الحسنة والقصور المرتفعة الموضوعة فيها الأرائك العالية والسرر الرفيعة والبسط المفروشة من الحرير وغيرها

كَذلِكَ يعنى قد اخرجناهم إخراجا كذلك باحداث بواعث الخروج في نفوسهم وازعاجهم الى ان خرجوا مضطرين وَبعد ما اخرجناهم كذلك عما اخرجناهم قد أَوْرَثْناها اى عموم ما سمعت من المذكورات بَنِي إِسْرائِيلَ انعاما لهم وامتنانا عليهم بما صبروا بظلمهم وبأنواع اذياتهم طول عمرهم وبعد ما اجتمع الجيش من أطراف المدائن وازدحموا على باب فرعون خرجوا خلفهم مسرعين

فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ وقت طلوع الشمس من المشرق

فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ اى تقاربا الى ان رأى كل من الجمعين صاحبه قالَ أَصْحابُ مُوسى مشتكيا اليه مأيوسا من الحياة بعد ما رأوا من خلفهم جيشا لا يعد ولا يحصى وعن امامهم البحر الذي لا يمكن العبور عنه إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ملحقون يلحقنا العدو الآن وبعد غرقنا في البحر

قالَ موسى ردعا لهم وازالة لرعبهم كَلَّا اى ارتدعوا عن هذا ولا تخافوا عن ادراكهم إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ ويلهمني الى طريق النجاة والخلاص إذ قد وعدني ربي اليوم بالخلاص والنجاة فان وعده سبحانه حق ولا يخلف فصبر الى ان قرب العدو ووصل موسى على شاطئ البحر مضطرا مضطربا مرعوبا وبعد ما رأينا كليمنا كذلك

فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى بان قلنا له أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فضرب على الفور فَانْفَلَقَ البحر اى قلزم او النيل وافترق فرقا فرقا وانقطع قطعا قطعا كثيرة فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ بعد انفلاقه وانقطاعه كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ كالجبل الشامخ المرتفع نحو السماء الثابت في مقره بلا حركة وجرى وذهاب وانفرج بين الفلق فرجا وسيعة فسيحة فدخل على الفور موسى باذن منا وقومه تبعا له في تلك الشعوب والفرج كل سبط بشعب

وَبعد ما دخلوا في شعاب البحر المنفلق أَزْلَفْنا

<<  <  ج: ص:  >  >>