للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بما وعظت أَمْ لَمْ تَكُنْ أنت مِنَ الْواعِظِينَ المذكرين إذ نحن ما نسمع منك خرافاتك ولا نمتثل بها ولا نترك لأجلها وأجلك اخلاق أسلافنا التي قد كانوا عليها

إِنْ هذا وما كنا عليه من الأخلاق والشيم ما هي إِلَّا خُلُقُ آبائنا الْأَوَّلِينَ وعادتهم المستمرة وسننهم السنية الموروثة لنا منهم

وَبالجملة ما نَحْنُ ولا أسلافنا الذين قد مضوا عليها بِمُعَذَّبِينَ بعد انقراضنا عن هذه النشأة كما زعمت إذ لا اعادة ولا رجوع ولا عود ولا نشور لنا من قبورنا بعد ما متنا وكنا ترابا وعظاما بالية وبالجملة لم يقبلوا منه دعوته مطلقا ولم يصدقوا قوله أصلا

فَكَذَّبُوهُ تكذيبا شديدا وصاروا بسبب تكذيبهم إياه وانكارهم عليه مستحقين لقهرنا وغضبنا فَأَهْلَكْناهُمْ من كمال غيرتنا واستأصلناهم بمقتضى قدرتنا وحميتنا إِنَّ فِي ذلِكَ الإهلاك والاستئصال لَآيَةً دالة على استقلالنا واستيلائنا بالسلطنة القاهرة على عموم مظاهرنا ومربوباتنا وَلكن ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ بنا وبأسمائنا واوصافنا الكاملة الشاملة آثارها لعموم المظاهر والمصنوعات

وَإِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب المستقل بالتصرف في آثار أوصافه وأسمائه بلا مشاركة له في الوجود والإيجاد الرَّحِيمُ بتجلياته اللطفية الجمالية في اظهار الكائنات المشهودة في الأنفس والآفاق حسب إمداده واعانته. ثم قال سبحانه مخبرا عن المكذبين المهلكين ايضا

كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ

إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ المصلح لأحوالهم حين لاح عليهم علامات الاعراض عن الله والانحراف عن جادة توحيده أَلا تَتَّقُونَ عن قهر الله فتخرجون عن مقتضى حدوده

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ من عنده سبحانه انبهكم على ما يصلح حالكم واجنبكم عما يفسدكم

فَاتَّقُوا اللَّهَ المنتقم الغيور واحذروا من قهره وصولته وغضبه وجلاله وَأَطِيعُونِ فيما انصح لكم وأذكركم به

وَاعلموا انى ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على تذكيري وإرشادي إياكم مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ وهو سبحانه قد اختارني للبعثة والرسالة واصطفاني لجمل وحيه فأرجو انا من فضله وسعة جوده ان يفيض على من معارفه وحقائقه الى حيث قد اضمحل هويتى الباطلة العاطلة في هوية الحق وتلاشى تعيناتى بالفناء فيه أَتُتْرَكُونَ وتبقون فِي ما اى في انواع النعم واصناف الإحسان والكرم وتستمرون هاهُنا اى في هذه النشأة كذلك آمِنِينَ بلا فترة وانتقال وتحويل مترفهين

فِي جَنَّاتٍ اى حدائق ذات بهجة وَعُيُونٍ جاريات فيها

وَزُرُوعٍ كثيرة من أطرافها وَلا سيما في نَخْلٍ لطيف طَلْعُها هَضِيمٌ إذ هو ينكسر وينهضم بسهولة ويستحيل دما بسرعة

وَمن شدة بطركم ونهاية حرصكم واملكم تَنْحِتُونَ اى تنقبون وتثقبون مِنَ الْجِبالِ المتحجرة بُيُوتاً ومخازن تدخرون وتخزنون أمتعتكم فيها صونا لها من انواع الحادثات بطرين فارِهِينَ متنعمين

فَاتَّقُوا اللَّهَ المحول للأحوال حتى لا يبدل يسركم الى العسر وتنعيمكم الى التنقيم وَأَطِيعُونِ في نصحى وتذكيري

وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ في الإغراء على المعاصي والتغرير فيها يعنى

الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ بأنواع الفسادات ومن جملتها افسادكم واغراؤكم الى ما يضركم ويغويكم وَبالجملة هم لا يُصْلِحُونَ مفاسد احد أصلا وبعد ما سمعوا من صالح ما سمعوا من النصيحة والإرشاد وانواع الصلاح والسداد

قالُوا من فرط تعنتهم وعنادهم وكمال توغلهم في بحر الغفلة والغرور إِنَّما أَنْتَ يا صالح مِنَ الْمُسَحَّرِينَ المختلين المحتبطين عقولهم بالسحر لذلك قد تخيلت انك رسول مرسل من

<<  <  ج: ص:  >  >>