للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل الحق هاد الى طريقه مع انك

ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا بلا رجحان لك علينا ولم يعهد إرسال البشر الى البشر من عند الله وبعد ما قد عيروه وشنعوا عليه قصدوا تعجيزه فأمروه بإتيان البرهان على صدقه فقالوا متهكمين فَأْتِ يا صالح بِآيَةٍ معجزة دالة على صدقك في دعواك إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ

قالَ صالح معجزتي الدالة على حقية دعوتي ورسالتي هذِهِ ناقَةٌ مخرجة من الصخرة بإخراج الله بعد ما اقترحتمونى بإخراجها فدعوت الله القادر المقتدر على اختراع الأمور المستبدعة وتضرعت نحوه فقبل دعائي فأخرجها بقدرته التامة على الوجه المقترح واعلموا ايها المتهكمون في بحر الغفلة والغرور انه لَها اى الناقة شِرْبٌ الى يوم قد عين الله لشربها من بئركم هذا وَلَكُمْ ايضا شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ معين فعليكم ان لا تتجاوزوا من شربكم الى شربها ولا تضروا بها

وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ من ضرب وذب وظمأ وجوع فإنكم ان تمسوها بسوء فَيَأْخُذَكُمْ وينزل عليكم عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ وصف به لعظم ما فيه من العذاب. ثم لما أوصاهم بحفظها وحضانتها وبالغ في شأنها لم يقبلوا منه ولم يبالوا بقوله فاتفقوا على عقرها

فَعَقَرُوها بعد ما اجمع الكل فَأَصْبَحُوا بعد ما عقروها وصاروا نادِمِينَ خائفين من نزول العذاب لا تائبين آئبين عما فعلوا من ترك المأمور وارتكاب المنهي وبعد ما استحقوا العذاب بصنيعهم هذا

فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ الموعود المعهود من قبل الحق فنزل عليهم فاهلكهم بالمرة بحيث لم يبق منهم احد على وجه الأرض إِنَّ فِي ذلِكَ الابتلاء والإنزال والإهلاك لَآيَةً عظيمة مثبتة لكمال قدرة الله وقهره بمقتضى صفاته الجلالية وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ بقهره وجلاله

وَإِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل لَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب القاهر على أعدائه حسب غضبه وجلاله الرَّحِيمُ المشفق على أوليائه بمقتضى لطفه وجماله ثم قال سبحانه مخبرا ايضا قد

كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ مثل ما كذب السابقون وذلك وقت

إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ حين شاعت بينهم الفعلة القبيحة والديدنة الذميمة الشنيعة الى حيث يباهون بها ولا يخفونها أَلا تَتَّقُونَ من غضب الله ايها المسرفون المفرطون اتقوا الله الغالب الغيور واحذروا من سخطه

إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ من قبله أَمِينٌ يؤمنكم من مكر الله وحلول غضبه وعذابه لو قبلتم منى قولي

فَاتَّقُوا اللَّهَ حق تقاته وَأَطِيعُونِ في عموم ما جئت لكم من عنده

وَاعلموا انى ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ اى على تبليغى ونصحى مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ وما جزائي إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ فانه المتكفل لأجور عباده حسب أعمالهم ونياتهم فيها

أَتَأْتُونَ وتجامعون ايها المسرفون المفرطون الذُّكْرانَ الذكور الأمارد وتخصون أنتم بهذه الفعلة القبيحة الشنيعة مع انه ما سبق مثلها مِنَ الْعالَمِينَ يعنى الذين مضوا من بنى نوعكم

وَتبالغون أنتم فيها بحيث تَذَرُونَ وتتركون ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ لإتيانكم وحرثكم مِنْ أَزْواجِكُمْ ونسائكم ليترتب عليها حكمة التناسل وإبقاء النوع بَلْ أَنْتُمْ بسوء صنيعكم وقبح فعلتكم هذه قَوْمٌ عادُونَ متجاوزون من حدود الله ومقتضى حكمه وحكمته وبعد ما سمعوا منه تشنيعه على ابلغ الوجه واشنعه

قالُوا من شدة شكيمتهم وضغينتهم معه لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ ولم تنزجر عن تشنيعنا وتقبيح فعلنا ونهينا عنه لَتَكُونَنَّ أنت بجراءتك علينا مِنَ الْمُخْرَجِينَ من قريتنا على أقبح وجه وأسوئه وبعد ما سمع لوط عليه السلام منهم ما سمع من الغلظة والتشديد في التهديد

قالَ مستوحشا منهم مستنكرا عليهم إِنِّي لِعَمَلِكُمْ هذا مِنَ الْقالِينَ المبغضين غاية البغض بحيث اكره

<<  <  ج: ص:  >  >>