للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قائلين لرسلنا فأتنا بما تعدنا الآية وأمطر علينا حجارة الآية وأسقط علينا كسفا الآية وأمثال ذلك من الآيات وحين نزل عليكم العذاب الموعود تستنظرون وتستمهلون

أَفَرَأَيْتَ وعلمت ايها الرائي الخبير والمعتبر البصير إِنْ امهلناهم في الدنيا زمانا طويلا بان مَتَّعْناهُمْ فيها سِنِينَ تمتيعا بليغا ورفعناهم فيها ترفيها بديعا

ثُمَّ جاءَهُمْ ونزل عليهم بعد زمان طويل ما كانُوا يُوعَدُونَ من العذاب البتة وبالجملة

ما أَغْنى عَنْهُمْ ولم يدفع طول مكثهم فيها شيأ من العذاب ولم يخفف عذابهم أصلا ما كانُوا يُمَتَّعُونَ اى تمتيعهم زمانا طويلا فإذا لا فرق بين إمهالهم وبين تعجيل العذاب عليهم وَمن سنتنا المستمرة وعادتنا القديمة انا ما أَهْلَكْنا مِنْ اهل قَرْيَةٍ من القرى القديمة الهالكة إِلَّا قد أرسلنا أولا لَها أنبياء ورسلاهم مُنْذِرُونَ يخوفون عماهم عليه من الأمور المستجلبة للعذاب المستوجبة له وانما أرسلنا إليهم من أرسلنا وانذرناهم عما انذرناهم أولا ليكون

ذِكْرى اى تذكرة وعظة منا إياهم حتى لا ينسبوننا الى الظلم ولا يجادلون معنا وقت حلول العذاب عليهم وَايضا قد ظهر عندهم انا ما كُنَّا ظالِمِينَ بتعذيبهم بأنواع العذاب وبعد ما نسب المشركون المكابرون تنزيل القرآن المعجز إليك يا أكمل الرسل بالشياطين وطعنوا فيه بانه ما يلقى الشيطان الى الكهنة والرهابين رد الله عليهم بقوله

وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ اى بالقرآن الفرقان المعجز لفظا ومعنى المبنى على الهداية المحضة ظاهرا وباطنا الشَّياطِينُ الضالون المضلون إذ لا يتأتى منهم الهداية أصلا

وَما يَنْبَغِي وما يصح لَهُمْ الإتيان بالهداية والرشد وَما يَسْتَطِيعُونَ وما يقدرون عليها إذ الهداية والإرشاد انما هي من طيب النفس وطهارة الفطرة وزكاء الفطنة وصفاء الجبلة وهم ليسوا كذلك بل هم مجبولون على الخباثة في اصل الخلقة واما استماعهم وسماعهم من الملائكة أمثال هذا ايضا فلا يتأتى منهم ولا يمكنهم من رداءة فطرتهم وفطنتهم وخباثة جبلتهم وطينتهم

إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لكلام الملائكة لَمَعْزُولُونَ لان الاستماع منهم مشروط بالمناسبة لهم في التجرد عن العلائق مطلقا وصفاء الفطرة عن إكدار الطبيعة رأسا إذ قبول الفيض انما هو عند هبوب نسمات النفسات الرحمانية والتعرض والاشتياق منها ومن نفحاتها على الدوام وظاهر ان نفوسهم الخبيثة ليست بهذه المثابة والقرآن الفرقان محتو على حقائق ومعارف ومكاشفات ومشاهدات لا يمكن صدورها الا ممن هو منبع جميع الكمالات ومنشأ عموم الخيرات والمطلع على جميع السرائر والخفيات والقادر المقتدر على عموم المرادات والمقدورات فكيف يليق بكمال القرآن ان ينسب الى الشيطان تعالى شأن القرآن عما ينسب اليه الظالمون علوا كبيرا. ثم أشار سبحانه الى تحريك سلسلة اشواق المحبين وتهييج اخلاص الموحدين المخلصين المنقطعين نحو الحق الساعين بافناء هوياتهم الباطلة في طريق توحيده الباذلين مهجهم في مسلك الفناء ليفوزوا بشرف البقاء واللقاء فقال مخاطبا لحبيبه صلّى الله عليه وسلّم ناهيا له عن التوجه والالتفات نحو الغير مطلقا

فَلا تَدْعُ ايها الداعي للخلق الى الحق بالحق على الحق مَعَ اللَّهِ الواحد الأحد الفرد الصمد المستقل بالالوهية والربوبية إِلهاً آخَرَ من مظاهره ومصنوعاته إذ الكل في حيطة أوصافه وأسمائه لا وجود لها لذاتها بل انما هي عكوس واظلال للأسماء والصفات الإلهية فَتَكُونَ أنت بجمعيتك وكمالك لو دعوت واتخذت الها آخر لقد صرت أنت البتة مِنَ الْمُعَذَّبِينَ بأنواع التعذيبات الصورية والمعنوية العقلية والحسية الجسمانية والروحانية انما خاطب سبحانه حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>