للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ما رأت سواد العسكر وأشعرت بعبورهم على الوادي منادية لاخوانها صائحة عليهم وصارخة يا أَيُّهَا النَّمْلُ الضعيف النحيف ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ مسرعين محترزين ولا تقفوا في الصحراء والبراء حتى لا يَحْطِمَنَّكُمْ ولا يطأنكم سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ بحوافر خيولهم وَهُمْ وان كانوا من ارباب البر والتقوى محترزين عن أمثالكم هذا الظلم الصريح الا انهم لا يَشْعُرُونَ بكم لصغركم وحقارتكم فيطئونكم بلا شعور وادراك وبعد ما سمع سليمان من النملة ما سمع

فَتَبَسَّمَ تبسما ظاهرا الى ان قد صار ضاحِكاً متعجبا مِنْ قَوْلِها المشتمل على انواع التدبيرات والخبرات من حسن المعاشرة مع الجيران وآداب المصاحبة مع الاخوان والتحذير عن مظان المهالك والمتالف قبل الوقوع فيها وغير ذلك وَبعد ما اطلع سليمان على قولها وغرضها وتوجه نحو الحق عادا على نفسه جلائل نعمه تعالى وآلائه قالَ حينئذ مناجيا اليه سبحانه رَبِّ يا من رباني بأنواع الخيرات والكرامات التي ما أعطيتها أحدا من خلقك أَوْزِعْنِي والهمنى ويسر على أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ ووفقني على ان أؤدي حقوقها على الوجه الذي ينبغي ويليق بشأنك وشأنها ولا يتأتى منى هذا الا بتوفيقك وتيسيرك يا رب وفقني على إتمامها وتكميلها حسب فضلك وجودك وَيسر على ايضا أَنْ أَعْمَلَ في مدة حياتي عملا صالِحاً مقبولا عندك مرضيا لك تَرْضاهُ وَبعد ما توفيتني أَدْخِلْنِي في جنتك بِرَحْمَتِكَ وسعة فضلك وجودك فِي زمرة عِبادِكَ الصَّالِحِينَ المرضيين عندك المقبولين دونك وعدني من عدادهم واحشرني في حوزتهم ومن زمرتهم انك على ما تشاء قدير وبرجاء المؤملين جدير. ولما صار سليمان صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وقد كان الهدهد دائما رائده وبريد عسكره ودليلهم يدلهم على الماء عند الاحتياج إذ هو عالم بالمياه الى حيث يعرفه تحت الأرض ويعين موضعه وكان يأمر سليمان عفاريت الجن ليحفروها ويخرجوا منها الماء لدى الحاجة فاحتاج سليمان صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام الى الماء ولم يكن الهدهد حاضرا عنده فغضب عليه

وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ وتعرفها مفصلا حتى يجده بينهم فلم يجد فغضب فَقالَ مغاضبا ما لِيَ اى اى شيء عرض على ولحق بي حتى صرت كذلك لا أَرَى الْهُدْهُدَ بين الطيور اهو حاضر عندي قد ستر على فلم أره أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ المتخلفين عن خدمتي ورفاقتي فو الله لو وجدته

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً بحيث آمر بنتف ريشه وحبسه في حر الشمس في محبس مضيق مع ضده أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ جدا ليعتبر منه سائر الخدمة أَوْ لَيَأْتِيَنِّي وليقيمن على لإثبات عذره بِسُلْطانٍ مُبِينٍ حجة واضحة ظاهرة الدلالة مقبولة من ذوى الاعذار الصادقة عند اولى البصائر والأبصار وذوى القدر والاعتبار

فَمَكَثَ الهدهد بعد تفقد سليمان وتهديده زمانا غَيْرَ بَعِيدٍ مديد متطاول ثم حضر عنده بلا تراخ طويل فَقالَ معتذرا لغيبته ومكثه انما غبت عن خدمة السلطان لأني قد أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ أنت يا سيدي يعنى قد تعلق ادراكى بمعلوم لم يتعلق به قبل لا علمي ولا علمك ولا علم احد من جنودك وَبعد وقوفي واطلاعى عليه قد جِئْتُكَ تلك الساعة بالعجلة مِنْ بلاد قبيلة سَبَإٍ من نواحي المغرب وبمن ملك عليها بِنَبَإٍ وخبر يَقِينٍ مطابق للواقع قد حققته وتحققت به وجئتك لشرحه قال سليمان عليه السلام مبتهجا مزيلا لغيظه وغضبه عنه مستكشفا عن خبره وما الخبر والنبأ ايها الصديق قال الهدهد

إِنِّي بعد ما قد وصلت الى ديارهم بأقصر مدة قد وَجَدْتُ وصادفت امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ اسمها بلقيس بنت شراحيل

<<  <  ج: ص:  >  >>