للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُمْ وكن متواريا في قربهم فَانْظُرْ وتأمل ماذا يَرْجِعُونَ وما يرجعون وما يراجعون ويتراجعون بعضهم بعضا في المشاورات والمحاورات فأخذ الهدهد الكتاب وأتى بلقيس وهي نائمة في قصرها فألقاه على نحرها فلما استيقظت رأت الكتاب في نحرها فارتعدت وخضعت خوفا ثم جلست مع اشراف قومها وتشاورت معهم في شأن الكتاب حيث

قالَتْ منادية لهم مستفتية منهم يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي قد أُلْقِيَ اليوم إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ وصفته بالكرامة إذ هي نائمة في قصرها والأبواب مغلقة عليها فرأت في صدرها هذا بلا إحضار محضر وبعد ما سمعوا منها ما سمعوا كأنهم قالوا ممن وما مضمونه قالت

إِنَّهُ اى الكتاب مرسل مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ اى مضمونه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

أَلَّا تَعْلُوا اى عليكم ان لا تترفعوا ولا تتكبروا عَلَيَّ ولا تبالوا ببسطتكم وبشوكتكم وبالجملة لا يليق بكم وبشأنكم الا الإتيان على وجه الخضوع بلا كبر وخيلاء وَبعد ما انحصر أمركم على الإتيان أْتُونِي مُسْلِمِينَ منقادين لأمر الله مطيعين لحكمه وحكم رسوله بلا ممانعة وإباء واظهار مقاتلة ومقابلة ثم قرأت مضمون الكتاب عليهم وشرحت لهم فحواه

قالَتْ خائفة مضطربة منادية لهم ثانيا تأكيدا للتأمل والتدبر في هذا الأمر الهائل والشأن المهول يا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي وأجيبوا على وأشيروا الى فِي أَمْرِي هذا واختاروا ما هو الأحوط واستصوبوا طريقا ورأيا اختر ذلك قطعا وآمر بها حكما وامض بها جزما إذ ما كُنْتُ قاطِعَةً جازمة أَمْراً امضى عليه واجزم به حَتَّى تَشْهَدُونِ له وتستصوبوه بل الأمر مفوض إليكم فاستصوبوا ما قد تقرر رأيكم عليه حتى امض على مقتضاه وبعد ما فوضت أمرها إليهم استعطافا واستظهارا

قالُوا اى الأشراف مستعلين مستكبرين حسب خيلاء اصحاب القدرة والقوة وارباب الجاه والثروة نَحْنُ قوم أُولُوا قُوَّةٍ وقدرة تامة عددا وعددا وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ قد انتشر صيتنا في الآفاق بالشدة والشجاعة وبأنواع الجرأة والاستيلاء والصولة على الأعداء والغلبة عليهم فنحن هكذا ولا خوف لنا لا منهم ولا من غيرهم وَالْأَمْرُ بعد ذلك مفوض إِلَيْكِ ونحن عبيدك فَانْظُرِي ماذا تَأْمُرِينَ من القتال او الصلح نعمل على وفق ما امرتنا به

قالَتْ في جوابهم بعد ما تأملت وتعمقت في أمرها ورأيها نعم ان لنا كثرة وقوة وشوكة وشجاعة وصولة منتشرا في اقطار الأرض بأسها وصيتها الا ان الحرب خداع والقتال سجال لا تدرى عاقبتها ومآلها ولا اعتماد على الكثرة والجرأة بعد ما قد مضى القضاء ونفذ على الهزيمة ومن المقدمات المسلمة إِنَّ الْمُلُوكَ وارباب القدرة والاستيلاء إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً عنوة وقهرا أَفْسَدُوها وغيروا أوضاعها وبدلوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً بالغلبة والاستيلاء وَبالجملة كَذلِكَ يَفْعَلُونَ هؤلاء لو دخلوا على بلادنا هذه

وَبالجملة ما ينبغي ولا يليق بنا اليوم ولا يصلح بحالنا لا مقارعة باب المقاتلة بإمضاء السيوف ولا المصالحة ايضا بإعطاء الألوف بل إِنِّي مُرْسِلَةٌ رسلا إِلَيْهِمْ أولا مصحوبة بِهَدِيَّةٍ كثيرة لائقة بعظم شأننا وشأنهم لاختبرهم فَناظِرَةٌ انا منتظرة بعد ذلك بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ اى بأى شيء يعودون من عندهم بعد تجسسهم عن أحوالهم وأطوارهم ومعاشرتهم مع رسلنا حتى اعمل على مقتضى ما يرجعون هذا ما هو الا من كمال عقلها ورزانة رأيها وتدبيرها المملكة وصيانتها آداب السلطنة والامارة وضبط المملكة. روى انها قد أرسلت منذر بن عمرو في وفد وأرسلت معه غلمانا على زي الجواري وجواري على زي الغلمان وحقة فيها

<<  <  ج: ص:  >  >>