للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ اللَّهَ المطلع بحالهما غَفُورٌ رَحِيمٌ لكل منهما

ثم لما نبههم سبحانه بنبذ مما يتعلق بتهذيب ظواهرهم أراد أن ينبههم على بعض ما يتعلق بتهذيب بواطنهم فقال ايضا مناديا لهم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ في دينكم الصِّيامُ وهو الإمساك المخصوص من طلوع الفجر الثاني الى غروب الشمس في الشهر المعروف والإمساك المطلق والاعراض الكلى عما سوى الحق مطلقا عند اولى النهى واليقين المستكشفين عن سرائر الأمور المتحققين بها حسب المقدور كَما كُتِبَ عَلَى امم الأنبياء الَّذِينَ خلوا مِنْ قَبْلِكُمْ ايها المحمديون وانما فرض عليكم هذا لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ رجاء ان تحفظوا انفسكم عن الإفراط في الاكل المميت للقلب المطفي نيران العشق والمحبة الحقيقية الحقية وإذا فرض عليكم صوموا

أَيَّاماً قلائل مَعْدُوداتٍ هي شهر رمضان فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ حين حضور شهر رمضان الذي فرض فيه الصيام مَرِيضاً مرضا يضره الصوم او يعسر عليه أَوْ حين وروده عَلى جناح سَفَرٍ مقدار مسافة مقدرة في الشرع عند الفقهاء وأفطر رخصة فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يعنى يجب عليه ان يصوم أياما أخر مساوية للأيام المفطرة قضاء بلا كفارة وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ اى الصوم فيفطرونه مع انهم ليسوا مرضى ولا مسافرين فعليهم فِدْيَةٌ هي طَعامُ مِسْكِينٍ اى فدية كل يوم من الأيام المفطرة من رمضان طعام واحد من المساكين بلا قضاء ولا لزوم كفارة عليه هذا في بدء الأمر ثم نسخ بالآية التي ستأتى فَمَنْ تَطَوَّعَ وزاد في الفدية خَيْراً تبرعا زائدا مما كتب له فَهُوَ اى ما زاد عليها خَيْرٌ لَهُ عند ربه يجزيه سبحانه عليه زيادة جزاء وَأَنْ تَصُومُوا ايها المؤمنون المطيقون في وقته بلا تأخير الى القضاء خَيْرٌ لَكُمْ من الفدية والزيادة عليها تبرعا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سرائر الإمساك والفوائد العائدة منها الى نفوسكم من كسر الشهوة والتلقي على الطاعة والتوجه مع الفراغة هذا في بدء الإسلام ثم نسخ بالآية التي ستذكر عن قريب

واعلموا ايها المؤمنون ان أفضل الشهور عند الله وارفعها قدرا ومرتبة شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ اى ابتدأ نزوله او نزل كله فيه بل الكتب الاربعة ايضا قد نزلت كلها فيه على ما نقل في الحديث صلوات الله على قائله وكيف لا يكون أفضل الشهور مع ان القرآن المنزل فيه هُدىً لِلنَّاسِ الموقنين بتوحيد الله المتوجهين نحو جنابه يهديهم الى مرتبة علم اليقين وَبَيِّناتٍ شواهد وآيات واضحات مِنَ الْهُدى الموصل للمستكشفين عن سرائر التوحيد الى مرتبة عين اليقين وَالْفُرْقانِ الفارق لهم بين الحق الذي هو الوجود الإلهي والباطل الذي هو الموجودات الكونية الباطلة المعدومة في أنفسها المنعكسة من آثار الأوصاف والأسماء الإلهية فوصلهم الى مرتبة حق اليقين فَمَنْ شَهِدَ وأدرك مِنْكُمُ الشَّهْرَ المذكور مطيقا بلا عذر فَلْيَصُمْهُ ثلثين يوما حتما بلا إفطار وإفداء لان هذه الآية ناسخة لحكم الآية السابقة وَمَنْ كانَ منكم مَرِيضاً لا يطيق على الصوم فيه خوفا من شدة المرض أَوْ عَلى متن سَفَرٍ فأفطر لدفع الحرج فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ اى لزم عليه صيام ايام أخر قضاء لأيام الفطر بلا لزوم كفارة انما يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ بهذه الرخصة الْيُسْرَ لئلا تتحرجوا وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ لئلا تضطروا وتضطربوا وَانما الزم لكم القضاء بعد الرخصة لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ التي قد فرض لكم الصيام فيها في كل سنة لئلا تحرموا عن منافع الصوم وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ وتعظموه عَلى ما هَداكُمْ الى الرخص عند الضرورة والاضطرار وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ تتنبهون

<<  <  ج: ص:  >  >>