للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقل مال المسلم الا باذنه

قالَ عِفْرِيتٌ خبيث مارد مِنَ الْجِنِّ اسمه ذكوان او صخر أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ اى مجلسك الذي تجلس عليه أنت للحكومة وكان من دأبه الجلوس الى وقت الزوال وَبالجملة أتيك به قبل إتيانها وإِنِّي عَلَيْهِ اى على حمل العرش وإتيانه لَقَوِيٌّ احمله بلا تزلزل أركانه وقوائمه أَمِينٌ لا أتصرف شيأ من زينته وجواهره فاستبطأ عليه السلام إتيانه وطلب السرع من ذلك

قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ فائض عليه مِنَ الْكِتابِ اى من حضرة العلم المحيط الإلهي المعبر عنه بالقضاء واللوح المحفوظ وعالم الأسماء والأعيان الثابتة يقدر بذلك العلم على إحضار شيء واعدامه دفعة وهو كان وزيره آصف بن برخيا قد انكشف عليه خواص الأسماء الإلهية ففعل بها ما فعل أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ اى قبل ان تعيد وتطبق اجفانك حين نظرك والتفاتك وهذا كناية عن كمال السرعة والعجلة فاتى به طرفة عين فَلَمَّا رَآهُ اى سليمان العرش مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ في طرفة عين قبل إتيان بلقيس ساعة قالَ سليمان عليه السلام متوجها الى ربه مذكرا نعمه الفائضة على نفسه مجددا الشكر إياها هذا اى حضور هذا العرش العظيم الثقيل في غاية الثقل والعظمة في آن واحد مع انه قد كان في مسافة بعيدة مِنْ فَضْلِ رَبِّي على ومن عداد جلائل العامة وافضاله الى انما تفضل سبحانه على بهذا لِيَبْلُوَنِي ويختبرني أَأَشْكُرُ وأخذ بمواظبة شكر نعمه المتواترة على بحيث أعجز عن أداء شكره واعترف بالعجز والقصور عن احاطة نعمه فكيف عن أداء حقوقها أَمْ أَكْفُرُ لنعمه ولا أقيم بمقام الشكر عليها وان كانت الاقامة والتوفيق عليها ايضا من جملة انعامه وافضاله وإكرامه وَلا عائدة من شكرنا اليه سبحانه إذ هو منزه عنها بل مَنْ شَكَرَ على نعم الحق وصرفها على مقتضى ما جبلها الحق لأجله فَإِنَّما يَشْكُرُ الشاكر لِنَفْسِهِ ولازدياد نعمه بمزيد الشكر وَايضا مَنْ كَفَرَ فإنما يكفر لنفسه ولانتقاص نعمه لانتقاص شكره فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ في ذاته من عموم الفوائد والعوائد كَرِيمٌ جواد لا يعلل فعله بالأغراض وانعامه بالاعواض ثم لما دنت بلقيس مع من معها من اشراف قومها بالدخول على سليمان عليه السلام والعرش عنده

قالَ سليمان لمن حوله نَكِّرُوا لَها عَرْشَها حين جلست وغيروا بعض أوضاعه وزينته نَنْظُرْ حينئذ أَتَهْتَدِي وتتعقل انه هو أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لا يَهْتَدُونَ لاستحالة ان يكون هذا هو عادة وانما قصد به عليه السلام اختبار عقلها ورشدها للايمان بالمغيبات والمستبعدات الخارقة للعادات فغير عرشها على الفور وقد بنى سليمان عليه السلام صرحا ممردا من قوارير ووضع سريره فيها وهي على الماء ومن غاية صفائها لا يتميز عن الماء وفي الماء حيوانات مائية المولد من الحوت والضفدع وغيرها

فَلَمَّا جاءَتْ بلقيس وهو عليه السلام في ذلك الصرح على السرير قِيلَ لها أولا أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ بعد ما أمعنت نظرها نحو العرش كَأَنَّهُ هُوَ أتت حينئذ بكلمة التشبيه وقد تحقق عندها انه هو صيانة لنفسها عن الكذب وَبعد ما تفرست بلقيس منه عليه السلام القبول والتحسين إياها في قولها بادرت الى تصديق نبوته عليه السلام وقالت لا حاجة لنا الى اختبارك بأمثال هذه المعجزات والخوارق حتى نؤمن لك يا نبي الله إذ قد أُوتِينَا الْعِلْمَ المتعلق منا بصدقك وتصديق نبوتك مِنْ قَبْلِها اى قبل ظهور هذه المعجزة الخارقة للعادة بأمور قد اختبرناك بها وَبالجملة قد كُنَّا مُسْلِمِينَ منقادين لك مسلمين نبوتك وتأييدك من قبل الحق

وَمن فضل الله إياها انه قد صَدَّها وصرفها بعد ما قد ظهر عندها نبوة سليمان عليه السلام عن ما كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى قد

<<  <  ج: ص:  >  >>