للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما بالغ أولئك الهالكون في تيه الضلال في تكذيب يوم الجزاء وأصروا على ما هم عليه من الكفر والإنكار ومتابعة الأهواء والآراء

قُلْ يا أكمل الرسل كلاما خاليا عن وصمة المجادلة والمراء صادرا عن محض الحكمة والعبرة والاستبصار آمرا لهم على سبيل الاعتبار سِيرُوا ايها المنكرون المكابرون ليوم العرض والجزاء فِي الْأَرْضِ التي هي محل العبرة ومنزل الاستبصار فَانْظُرُوا معتبرين متأملين كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ المكذبين كمال قدرة الله القادر المقتدر على كل ما أراد وشاء بلا فتور وقصور ولا ينتهى قدرته دون مقدوره بل له اعادة كما له ابداؤه مع جميع اجزائه ولوازمه وعوارضه من الزمان والمكان والحركات والسكنات ومع جميع الأطوار والأحوال الطارية عليه من مبدأ حدوثه الى منتهى حياته إذ جميع ما جرى عليه وصدر عنه حاضر عنده سبحانه مشهود له غير مغيب عنه بلا انقضاء من حضرة علمه وإمضاء من لوح قضائه إذ عنده سبحانه لا زمان ولا مكان حتى يتصور الانقراض والانقضاء واستبعاد أمثال هذه المسألة انما يجئ عن العقول السخيفة والأحلام الضعيفة المحبوسة في مضيق الزمان والمكان المتحصنة بحصون الجهات والابعاد المقيدة بسلاسل الأيام وأغلال الليالى ومن انكشف له بصر بصيرته وارتفع عنه سبل السدل وحول التحويل ورمد التغير والتبدل واكتحل عين عبرته وبصر بصيرته بكحل الكشف والشهود قد اضمحل دونه الزمان والمكان والجهات والأقطار وجميع ما يوهم الانقضاء والانصرام والتجدد والاستمرار ولم يبق في عين عبرته ونظر شهوده وخبرته سوى الله الواحد القهار لعموم الأغيار فسمع منه به وابصر به اليه وظهر منه عليه بحوله وقوته وفنى فيه وبقي لديه ولاح منه ورجع اليه وبدا عنه وعاد عليه قائلا دائما بلسان الحال والمقال انا لله وانا اليه راجعون. ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين برحمتك وجودك يا ارحم الراحمين

وَبعد ما قد هدد سبحانه مكذبي وعده ووعيده بما هدد وقرعهم بما قرع أراد سبحانه ان يسلى حبيبه صلى الله عليه وسلم بما لحق له من أذى المنكرين المكذبين بقوله لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ان كذبوك واعرضوا عنك يا أكمل الرسل وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ وسآمة مِمَّا يَمْكُرُونَ اى من مكرهم وحيلتهم فان الله يكفيك ويكف عنك مؤنة شرورهم وكن في نفسك يا أكمل الرسل وسيع الصدر طلق الوجه فرحان القلب يقظان السر فان الله ناصرك ومعينك في كل الأحوال يحفظك عن شرورهم ومكرهم وسيغلبك عليهم عن قريب ويظهر دينك على عموم الأديان كلها وينشر آثار هدايتك وارشادك في اقطار الأرض وانحائها وكفى بالله حسيبا

وَمن شدة شكيمتهم وغاية انكارهم وضغينتهم معك يا أكمل الرسل يَقُولُونَ متهكمين مَتى هذَا الْوَعْدُ المعهود والعذاب الموعود وفي اىّ آن يظهر واىّ زمان يقوم عيّنوا لنا وقته ايها المدعون إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في دعوى الوقوع والنزول

قُلْ لهم يا أكمل الرسل بعد ما قد اقترحوا عنك والحوا عَسى اى قد دنا وقرب أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ اى تبعكم ولحقكم واللام زائدة بَعْضُ العذاب الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ نزوله وحلوله فقد لحقهم عذاب يوم البدر

وَسيلحقهم عن قريب كله ايضا لكن من سنته سبحانه امهال عباده زمانا رجاء ان يتنبهوا او يتوبوا عما أصروا عليه من الكفر والكفران والشرك والطغيان إِنَّ رَبَّكَ يا أكمل الرسل لَذُو فَضْلٍ عظيم ورحمة واسعة شاملة عَلَى عموم النَّاسِ سيما الناسين سوابق عهودهم مع الله المدبر لأحوالهم يمهلهم وينبه عليهم رجاء ان يتنبهوا ويتفطنوا بمقتضى فطرتهم الاصلية وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ نعمة الامهال حتى يخلصوا من نقمته وعذابه لذلك لحقهم ما لحقهم من العذاب ومن جملة كفرانهم بنعم الحق

<<  <  ج: ص:  >  >>