للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً خلفا لنا ويصير ولى عهدنا ان ظهر على رشد تام وعقل كامل كافل وَبالجملة هُمْ لا يَشْعُرُونَ انه عدوهم الذي يذهب به دولتهم وملكهم وبيده زوالهم وهلكهم

وَبعد القائه في البحر قد أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً صفرا من العقل ومن مقتضياته بل قد صارت قلقة هائمة حائرة حاسرة خاسرة بحيث قد اضمحلت عنها امارات الحياة تحننا الى ولدها وشوقا اليه وخوفا من قتله سيما قد سمعت بالتقاط آل فرعون إياه ووقوعه بأيديهم إِنْ كادَتْ اى انها قد صارت من غاية الحزن والأسف الى ان قربت لَتُبْدِي بِهِ اى لتظهر وتبوح بامره صائحة عليه فجيعة في شأنه من التقاط عدوه لَوْلا أَنْ رَبَطْنا وألقينا عَلى قَلْبِها السكينة والطمأنينة لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ المصدقين لما وعدنا إياها برد ولدها إليها بلا ضرر من العدو

وَبعد ما سكنت من البوح والنوح وقصد الإظهار قالَتْ لِأُخْتِهِ اى مريم اخت موسى قُصِّيهِ اى اتبعى اثره وتتبعى امره كي تدركى وتدرى ما فعلوا معه فذهبت هي بأمرها فَبَصُرَتْ بِهِ اى بموسى عَنْ جُنُبٍ بعد واخفت حالها عنهم وَهُمْ بحيث لا يَشْعُرُونَ بقرابتها إياه وهم بعد ما اتفقوا على حفظه وتركوا قتله أرادوا ان يرضعوه فطلبوا المرضعة لحضانته ورضاعته

وَقد كنا من متانة حكمتنا وحكمنا قد حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ اى قبل القائه في البحر وحين عهدنا مع امه برده إياها بقولنا انا رادوه إليك فاحضروا مراضع كثيرة فأبى موسى عن مص الكل فتحيروا في امره فَقالَتْ مريم بعد ما انتهزت الفرصة هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ان أردتم له مرضعة وَهُمْ اى اهل ذلك البيت لَهُ ناصِحُونَ حافظون الى ان كبر بحيث لا يغفلون عن تربيته وحفظه فلما سمع هامان منها ما سمع قال انها قد تعرفه واهله ومنشأه خذوها حتى تخبر ما حاله ومن أى قوم منشأه قالت انما أردت وهم للملك قوم ناصحون فأمرها فرعون باحضارها فأتت مريم بأمه وموسى على يد فرعون يبكى ويصيح فلما شم ريح أمه استأنس والتقم ثديها ومص بلا إباء فقال له فرعون من أنت منه فقد أبى من كل ثدي الا ثديك قالت انى امرأة طيبة الريح واللبن لم أوت بصبى إلا قبلني فدفعه إليها وعين اجرة حضانتها ورضاعتها فذهبت به الى بيتها من يومه كما قال سبحانه

فَرَدَدْناهُ يوم القائه في البحر إِلى أُمِّهِ إيفاء لوعدنا إياها كَيْ تَقَرَّ وتنور عَيْنُها بولدها وَبعد ما قد رددناه إليها ألهمنا لها ان لا تَحْزَنَ بعد اليوم وتثق بوعدنا إياها وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ القادر المقتدر على إيفاء مطلق العهود حَقٌّ ثابت محقق مطابق للواقع فكما اوفى سبحانه وعد رده إليك يوفى ايضا وعد رسالته ونبوته ايضا بلا خلف منه فعليك ان تثقى بالله وتفوضى امره اليه سبحانه فانه سبحانه يكفى ويكف عنه مؤنة شرور أعدائه ويوصله الى منتهى ما جبله لأجله إذ هو سبحانه قادر مقتدر غالب على عموم ما أراد وشاء وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ اى اكثر الناس لا يَعْلَمُونَ كمال قدرته وحكمته سبحانه

وَلَمَّا ربته امه وأحسنت تربيته بمعاونة عدوه الى ان بَلَغَ أَشُدَّهُ وكمال قوته في نشوه ونمائه وَاسْتَوى اى كمل وتم عقله ورشده الى ان صلح لحمل أعباء الرسالة قد آتَيْناهُ من كمال جودنا إياه إيفاء لما وعدنا له في سابق علمنا المحيط وكتبنا لأجله في لوح قضائنا المحفوظ حُكْماً نبوة ورسالة ليضبط به ظواهر الاحكام من الأنام وَعِلْماً لدنيا متعلقا بمعرفة نفسه وبمعرفة ذات الحق المتصف بجلائل الأوصاف والأسماء وكذا بمعرفة توحده وتنزهه في ذاته عن سمة الكثرة

<<  <  ج: ص:  >  >>