للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتعدد مطلقا وَكَذلِكَ اى مثل ما جزينا موسى بأحسن الجزاء نَجْزِي عموم الْمُحْسِنِينَ من خلص عبادنا البالغين رتبة الإحسان معنا وهم الذين يعبدون الله كأنهم يرونه. وانما اتى بلفظ الماضي مع انه انما أرسل بعد ما هاجر من بينهم الى مدين وتلمذ شعيبا عليه السلام تنبيها على تحقق وقوعه

وَبعد ما قد بلغ موسى أشده قد دَخَلَ الْمَدِينَةَ اى مصر يوما من الأيام عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها لأنهم لا يترقبونه في تلك الوقت قيل هو وقت القيلولة وقيل وقت العشاء فَوَجَدَ موسى حين دخل فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ قتالا شديدا هذا اى احد المقاتلين مِنْ شِيعَتِهِ اى بنى إسرائيل وَهذا الآخر مِنْ عَدُوِّهِ يعنى القبط وبعد ما وصل موسى إليهما فَاسْتَغاثَهُ اى طلب منه الغوث والإعانة الرجل الَّذِي هو مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الرجل الَّذِي هو مِنْ عَدُوِّهِ إذ القبطي غالب على السبطى وبعد ما وجد موسى صديقه مظلوما مغلوبا فَوَكَزَهُ اى العدو مُوسى يعنى ضم أصابعه مجتمعة مقبوضة فضرب بها العدو مرة فَقَضى عَلَيْهِ وهلك وانفصل روحه عنه بوكزة واحدة دفعة فخجل موسى من فعله هذا واسترجع الى الله مستحييا منه سبحانه حيث قالَ هذا اى ما جئت به من الفعلة الشنيعة مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إذ هو يغرينى ويغويني باغرائه واغوائه إِنَّهُ اى الشيطان المغرى المغوى عَدُوٌّ لأهل الحق وارباب اليقين مُضِلٌّ لهم يضلهم عن الطريق المستبين مُبِينٌ ظاهر العداوة والإضلال سيما بالنسبة الى ارباب الرشد والكمال

قالَ موسى حينئذ متضرعا نحو الحق آئبا اليه تائبا عما صدر عنه مناجيا له عن محض الندم والحياء رَبِّ يا من رباني بأنواع اللطف والكرم بين يدي عدوى وخلصني من البلية العامة بمقتضى جودك إِنِّي بالاقدام على هذا الأمر الشنيع قد ظَلَمْتُ نَفْسِي وعرضتها على عذابك بالخروج عن مقتضى حدودك بقتل هذا الشخص بلا رخصة شرعية فَاغْفِرْ لِي يا ربي زلتى بعد ما تبت إليك وأنبت نحوك ورجعت عن ذنبي نادما والتجأت الى بابك راجيا فَغَفَرَ لَهُ ربه زلته بعد ما رجع اليه مخلصا إِنَّهُ سبحانه هُوَ الْغَفُورُ

لذنوب عباده بعد ما رجعوا نحوه متذللين خائبين خاسرين الرَّحِيمُ يقبل توبتهم بعد ما أخلصوا فيها وبعد ما تاب ورجع عما قد عمله خطأ

قالَ مقسما رَبِّ يا من رباني بأنواع الكرامات أقسمت بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ اى بعموم نعمك العظيمة الواصلة الى فَلَنْ أَكُونَ بعد اليوم وبحال من الأحوال ظَهِيراً مغيثا ومعينا لِلْمُجْرِمِينَ الذين قد أدت اغاثتهم الى جرم كبير وذنب عظيم وبعد ما صدر من موسى ما صدر

فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً من اولياء المقتول يَتَرَقَّبُ منهم الاستقادة والقصاص فَإِذَا اى فاجأ موسى بغتة بالرجل الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ واستغاث منه بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ويستغيث منه ايضا مرة بعد اخرى لقبطى آخر يخاصم معه ويتغلب عليه قالَ لَهُ اى للمستغيث مُوسى على وجه الردع إِنَّكَ مع غاية ضعفك وقلة قوتك لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ظاهر الغواية والضلال

فَلَمَّا أَنْ أَرادَ موسى بعد ما رأى غاية ضعف صديقه ومغلوبيته من العدو وان نسب الصديق الى الغواية أَنْ يَبْطِشَ غيرة وحمية عليه بِالَّذِي اى بالقبطي الذي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما اى لموسى والإسرائيلي المغلوب إذ كل قبطى عدو لكل سبطي لاستمرار العداوة فيما بينهم قالَ القبطي يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي ظلما وعدوانا كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ جبرا بلا رخصة شرعية إِنْ تُرِيدُ وما تقصد بفعلك هذا وظهورك هكذا

<<  <  ج: ص:  >  >>