للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحركة فَقالَ ملتجأ الى ربه رَبِّ إِنِّي من شدة جوعى وضعفى لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ ورزقتني من موائد افضالك وإنعامك مِنْ خَيْرٍ طعام وصل الى فَقِيرٌ مريد محتاج وأنت اعلم لحالي منى وبعد ما تم مناجاته مع ربه ورفع حاجاته اليه سبحانه

فَجاءَتْهُ فجاءة إِحْداهُما اى احدى المرأتين تَمْشِي نحوه عَلَى اسْتِحْياءٍ تام منه وكمال تحفظ وتحصن فلما وصلت حوله سلمت عليه خافضة صوتها ناكسة رأسها ثم قالَتْ له مستحية إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ ويكافئ معك أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا تبرعا فأجابها موسى تبركا برؤية شعيب عليه السلام لا طمعا لاجرته. روى انه لما دخل عليه قد أتى أولا بالطعام فامتنع موسى ولم يأكل وقال نحن من اهل بيت لا نبيع ديننا بالدنيا قال شعيب عليه السلام هذا من عادتنا مع كل من ينزل علينا وان من أوتى بمعروف واهدى له لم يحرم أكله في عموم الأديان فقبل قوله موسى واشتغل بأكل الطعام فَلَمَّا جاءَهُ اى لما وصل موسى شعيبا عليهما السلام وتبرك بشرف صحبته وقد لاح على شعيب عليه السلام حاله وشأنه بنور النبوة وَبعد ما ظهر على موسى ايضا انه قد لاح عليه قَصَّ موسى عَلَيْهِ الْقَصَصَ عن آخرها اى عموم ما جرى عليه من اوله الى آخره وسمع منه الشيخ على التفصيل وبعد ما سمع شعيب عليه السلام قالَ لا تَخَفْ بعد اليوم فقد نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعنى فرعون وملئه وبعد ما قد جلس موسى عند شعيب عليه السلام وقص عليه ما جرى عليه من الخوف والحزن والكآبة وانواع الملال والضلال وتشتت الحال وتفرق البال

قالَتْ إِحْداهُما اى احدى ابنتين وهي التي استدعته للضيافة يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ لرعى الغنم وأنت تريد الأجير إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ من الرجال هو لأنه الْقَوِيُّ القادر شديد القوة الْأَمِينُ ذو الامانة والديانة قال لها أبوها حمية وغيرة من اين عرفت قوته وأمانته فذكرت لأبيها ما رأت من إقلال الحجر العظيم وحده من رأس البئر مع ان الناس قد يقلون بجمع كثير فهذا دليل قوته واما دليل أمانته فانى بعد ما دعوته بإذنك قام ومشى قدامي وأمرني بالمشي خلفه صيانة على عن النظر الى فقال لي دلينى على الطريق ان ضللت ولما سمع شعيب عليه السلام من ابنته ما سمع من امارات أمانته ومروءته مع انه قد شاهد منه ولاح عليه بنور النبوة نجابة طينته وفطرته رغب الى ألفته ومؤانسته حيث

قالَ شعيب عليه السلام بموسى إِنِّي بعد ما وجدتك شابا صالحا سويا نسيبا حسيبا ذا رشد وامانة أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ بصداق معين وهو عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً كاملا فَمِنْ عِنْدِكَ تبرعا وإحسانا وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ بان أحملك أزيد من ذلك سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ للخدمة والمصاحبة والمواخاة في أداء الحقوق والعهود

قالَ موسى مجيبا له راغبا لقبول ما ألقاه من الكلام ذلِكَ الوقت الذي عينته ملزما على أولا بَيْنِي وَبَيْنَكَ معهود ثابت مقرر معقود عليه كما أمرتم وحكمتم والذي قلتم ثانيا تبرع منى ان قدرت على إتيانه بتوفيق الله وتيسيره كما قررتم أنتم ايضا وبالجملة أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ يعنى أجل الالتزام او أجل التبرع قَضَيْتُ يقع المعهود بلا تردد فَلا عُدْوانَ ولا تعدى عَلَيَّ بعد انقضاء كل واحد من الأجلين وَاللَّهُ الشهيد المطلع على عموم احوال عباده عَلى ما نَقُولُ من المشارطة والمعاهدة وَكِيلٌ حفيظ يحفظها على وجهها

فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ اى أقصى الأجلين ومكث عنده عشرا أخر بعد ما تزوج ابنته للاسترشاد والاستكمال وكسب

<<  <  ج: ص:  >  >>