للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأخلاق والأطوار بعد ما قد كمل بصحبة المرشد الكامل المكمل وشرف بشرف تربيته أراد ان يرجع الى قومه بل أراد الحق ان يظهر منه ما جبله لأجله وهو زوال ملك فرعون وسلطنته بسببه فخرج من عنده باذنه عليه السلام وَسارَ بِأَهْلِهِ نحو مصر وهي حاملة فجاءها الطلق في ليلة شاتية مظلمة وهم على جناح السفر ضالين عن الطريق آنَسَ وأبصر موسى مِنْ جانِبِ الطُّورِ اى من الجهة التي تجاه الطور ناراً ففرح من رؤيتها حيث قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا ساعة إِنِّي قد آنَسْتُ وأبصرت ناراً ومن هذا يعلم ان اهله لم يروها اذهب نحوها لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ من الطريق استخبر من عندها أَوْ جَذْوَةٍ اى عود غليظ مع شيء مِنَ النَّارِ ان لم أجد عندها أحدا لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ بها وتستدفئون من البرد فمكثوا فبادر موسى نحوها سريعا مسرعا

فَلَمَّا أَتاها وقرب منها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ اى شفيره وجانبه الْأَيْمَنِ ذي اليمن والكرامة الواقعة فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ التي قد كثر الخير والبركة فيها مِنَ الشَّجَرَةِ التي توقد عليها النار نداء عجيبا معربا عن اسمه مصرحا به أَنْ يا مُوسى المتحير في بيداء الطلب القلق الحائر في فيافى التعب إِنِّي مع كمال اطلاقى وان ظهرت على صورة النار وتقيدت بها متنزلا عن كمال تنزهى وعلو شأنى عن عموم الصور والتعينات أَنَا اللَّهُ الجامع لعموم الأسماء والصفات المتجلى بجميع الصور والشئون وبعموم الهياكل والتماثيل الظاهرة من آثار أوصافي وأسمائي المحسوسة من عكوس شئوني وتجلياتى حسب تطوراتى بمقتضى كمالاتى المتعالي عن الحلول في الشيء منها والاتحاد معه فاطلبنى تجد عموم حوائجك عندي لأنى رَبُّ الْعالَمِينَ اى مربى الكل ومدبره بعد ما قد أظهرت الأشياء واوجدتها من كتم العدم حسب رش نوري ومد ظلي عليها وبعد ما سمع موسى ما سمع قد استوحش بل قد هام ووله من هذا النداء الهائل وارتعد من هيبة هذا الصداء المهول إذ هو في أول انكشافه وابتداء شهوده وبعد ما ظهر منه ما ظهر من الرعب المفرط آنس معه ربه ازالة لرعبه ووحشته فقال مخاطبا له آمرا

وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ التي في يدك حتى ترى عجائب صنعتنا وبدائع حكمتنا ويزول استبعادك عن ظهورنا على صورة النار فألقاها على الفور فإذا هي حية تسعى فَلَمَّا رَآها موسى عليه السلام تَهْتَزُّ وتتحرك على وجه السرعة كَأَنَّها جَانٌّ حية صغيرة سريعة السير قد وَلَّى موسى وانصرف عنها مُدْبِراً خائفا مرعوبا متنفرا إذ لم يرها قبل ذلك كذلك وَبعد ما أدبر هائلا هاربا لَمْ يُعَقِّبْ اى لم يرجع ولم يقبل نحوه ولم يلتفت الى اخذه خائفا منها هائبا قلنا له حينئذ مناديا ازالة لرعبه يا مُوسى أَقْبِلْ نحو عصاك وخذها بيدك وَلا تَخَفْ من صورتها المحدثة إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ من ضرر ما ظهر عليك من الصور الحادثة المهيبة فانا سنعيدها سيرتها الاولى وصورتها الاصلية ثم امر سبحانه ثانيا تأكيدا لتأنيسه بقوله

اسْلُكْ وادخل يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مضيئة منيرة محيرة المعقول مفرقة الأبصار من كمال إشراقها وإضاءتها مع انها مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ومرض من برص وبهق وغيرها فادخل واخرج على الفور فرأى ما رأى وَبعد ما قد رأى موسى يده في غاية البياض والصفاء واستوحش ايضا منها واسترهب عن عروض المرض إليها بمقتضى بشريته امره سبحانه ثالثا ازالة لحزنه وتمرينا له بقوله اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ واطو كشحك واجمع شملك ويديك ولا تنشره مِنَ الرَّهْبِ والخوف والرعب المفرط وهذا كناية عن الطمأنينة والوقار وعدم اخطار الخوف مطلقا بالبال فَذانِكَ اى فاعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>