للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ان العصا واليد البيضاء بُرْهانانِ واضحان وشاهدان صادقان على دعواك النبوة والرسالة ومعجزتان باهرتان لك لمن يعارض معك وأنكر عليك وعلى رسالتك وذانك البرهانان منتشآن مِنْ رَبِّكَ موهوبان لك من عنده تأييدا لك ولأمرك وشأنك حين رسالتك وإتيانك إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ لتدعوهم الى توحيد الحق وصراطه المستقيم وتنذرهم عماهم عليه من الإفراط والتفريط إِنَّهُمْ من غاية انهماكهم في الغفلة والغرور كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ خارجين عن مقتضى الحدود الإلهية الموضوعة في شرائع الأنبياء الماضين والرسل المنقرضين ثم لما سمع موسى من ربه ما سمع

قالَ معتذرا مستظهرا رَبِّ يا من رباني بسوابق النعم الجليلة أنت اعلم منى بحالي إِنِّي قد قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً خطأ بإغراء الشيطان على واغوائه فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ويبادرون الى قتلى قبل دعوتهم الى دينك وتوحيدك لو اذهب نحوهم وحيدا فريدا بلا ظهير ومعين

وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً وأوضح بيانا وأتم تقريرا وتبيانا فَأَرْسِلْهُ مَعِي واشركه في امرى ليكون رِدْءاً الى معاونا على يعينني في امرى يُصَدِّقُنِي قولي لدى الحاجة إِنِّي من كمال عداوتهم معى وشدة شكيمتهم وضغينتهم على أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ دفعة ولا ينطلق لساني بمجادلتهم ودفعهم بسبب لكنتى فافوت بلكنتى حكمة رسالتي واحكام دعوتي ونبوتي

قالَ له سبحانه على سبيل التأييد والتعضيد سَنَشُدُّ عَضُدَكَ ونقوى ظهرك وأمرك بِأَخِيكَ وَمع ذلك لا تيأس من توفيقنا لك وتأييدنا إليك واعلما انا بعد ارسالكما الى فرعون وملائه نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً برهانا واضحا وحجة قاطعة بها تغلبان أنتما إليهم فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بسوء قطعا بل لا يمكن لهم ان ينظروا نحوكما بقهر واستيلاء سيما بعد اتيانكما مؤيدا مصحوبا بِآياتِنا التي قد آتيناكما وبالجملة لا تخافا من غلبتهم عليكما حسب شوكتهم وكثرتهم عددا بل أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا وآمن لكما الْغالِبُونَ المقصورون على الغلبة والاستيلاء وهم المغلوبون المنحصرون على المغلوبية والمهزومية لا يتجاوزون عنها أصلا حسب ما أثبتنا في لوح قضائنا وحضرة علمنا المحيط

فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى مؤيدا بِآياتِنا الدالة على صدقه في دعواه مع كون تلك الآيات بَيِّناتٍ ظاهرات واضحات في انها من لدنا بلا ريب وتردد ومع ذلك قالُوا من شدة قسوتهم وانهماكهم في الضلال ما هذا الذي قد اتى على صورة المعجزة والبرهان إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً قد اختلقه من تلقاء نفسه ونسبه الى ربه تغريرا وترويجا لباطله في صورة الحق وَمن شدة حرصه على ترويج ما قد زخرفه من عند نفسه سماه دينا وهداية ورشدا ودراية ونسبه الى الوحى والإنزال من الإله الواحد الأحد الموهوم مع انا ما سَمِعْنا بِهذا اى بوحدة الإله الواحد الأحد المرسل الرسل المنزل الكتب بالوحي والإلهام الواضع الأديان والشرائع بين الأنام وما كان هذا ايضا كائنا ثابتا معروفا مشهورا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ بل ما هو الا افك وافتراء ولبس على الأنام امره تغريرا عليهم وتضليلا لهم

وَبعد ما قد أبصروا بالآيات القاطعة والبراهين الساطعة ونسبوها من غاية غيهم وضلالهم الى السحر والشعبذة مع انها بعيد بمراحل عنها قالَ مُوسى بعد ما قنط عن ايمانهم وصلاحهم رَبِّي الذي رباني بأنواع الكرامات أَعْلَمُ منى بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى ومن اتصف بالرشد والهداية المنزلة مِنْ عِنْدِهِ حسب وحيه والهامه ومن اهتدى واسترشد به من عباده وَمَنْ تَكُونُ وتحصل لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ يعنى العاقبة الحميدة المترتبة على هذه النشأة التي هي دار الابتلاء والاختبار في النشأة الآخرة التي هي نشأة الجزاء

<<  <  ج: ص:  >  >>