للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلوك مسالك التوحيد وَرَحْمَةً تبشرهم الى البقاء الأبدي السرمدي بعد انخلاعهم عن خلعة تعيناتهم العدمية وافنائهم عن هوياتهم الباطلة الناسوتية لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ رجاء ان يتذكروا ويتنبهوا من المواعظ والاحكام التي ذكرت فيه الى ما جبلوا لأجله من المعارف والحقائق والرموز والإشارات والمكاشفات والمشاهدات ومع ذلك لم يتنبهوا ولم يتفطنوا ولم يتعظوا بها الا قليلا. ثم لما قص سبحانه حبيبه ما قص من قصة موسى الكليم وكيفية انكشافه من النار الموقدة على الشجرة المذكورة وكيفية عروجه منها مترقيا من العلم الى العين ثم الى الحق أراد ان يمن عليه سبحانه بما اصطفاه وفضله من بين البرايا للرسالة العامة وأخبره من المغيبات بطريق الوحى والإلهام ما ليس في وسعه لولا وحيه والهامه سبحانه إياه فقال

وَما كُنْتَ يا أكمل الرسل حين انكشف أخوك موسى بالواد المقدس وقد شهد من فضل الله عليه ما شهد بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ اى وادي الذي على شفيره الشجرة المعهودة بالطرف الغربي من مكان موسى وبالجملة ما كنت حينئذ حاضرا عنده وقت إِذْ قَضَيْنا وأوحينا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ الذي هو انكشاف مطلوبه الحقيقي من مطلوبه الصوري وَما كُنْتَ أنت حينئذ مِنَ الشَّاهِدِينَ الحاضرين المطلعين على شهوده وشأنه

وَلكِنَّا من كمال لطفنا وجودنا قد اخبرناك بما قد جرى بينه وبيننا في تلك الليلة كما قد أخبرنا لك عن احوال امم كثيرة قد أَنْشَأْنا من بعد موسى ومن قبلك قُرُوناً وامما كثيرة في ازمنة متطاولة وأمد بعيد فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ومكثوا في الدنيا كثيرا ودار عليهم الدول وطال الحول وحدثت الفتن والمحن ووقع ما وقع من التغييرات والتحريفات الكلية في الشرائع والأديان الماضية واندرست معالم الهدى وفشا انواع الجدال والطغيان بين اشخاص الإنسان وبالجملة قد استولت الاهوية الفاسدة والآراء الباطلة على اهل الأعصار والأزمان السالفة والقرون الماضية ولقد أخبرنا لك يا أكمل الرسل ما في كتابك هذا من وقائعهم وأحوالهم وأطوارهم ومعاملاتهم ومقالاتهم مع رسل الله وخواص عباده ليكون تذكرة لك وعبرة للمؤمنين بك وَايضا ما كُنْتَ يا أكمل الرسل ثاوِياً مقيما متوطنا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا الدالة على كمال القسط والعدالة بلسان نبينا شعيب عليه السلام وذلك عند انحرافهم عن جادة الاعتدال في المكيلات والموزونات واشتغلوا بالبخس والتطفيف وانواع التنقيص والتخسير وَلكِنَّا قد كُنَّا مُرْسِلِينَ مخبرين لك موحين إليك ما جرى عليهم من الأحوال

وَما كُنْتَ ايضا حاضرا بِجانِبِ الطُّورِ الذي هو موعد موسى معنا وقت إِذْ نادَيْنا موسى لاخذ التوراة ووقت وحينا اليه وَلكِنْ قد علمناك به ليكون رَحْمَةً لك نازلة إليك مِنْ رَبِّكَ تأييدا لك وتقوية لشأنك بل انما اوحيناك عموم ما اوحيناك لِتُنْذِرَ أنت به قَوْماً ضلالا ظالمين قد بقوا على فترة من الرسل إذ ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ من لدن عيسى عليه السلام وهي خمسمائة وخمسون سنة او من لدن جدك إسماعيل عليه السلام وهي بأضعاف هذه المدة المذكورة بناء على ان دعوة بنى إسرائيل مختصة بهم لا يتعدى الى غيرهم لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ويتعظمون بما في كتابك ويتنبهون من حكمه وأحكامه الى مبدئهم ومعادهم ويفوزون منها الى المعارف والحقائق التي جبلوا لأجلها. ثم قال سبحانه على سبيل التوبيخ والتقريع

وَلَوْلا كراهة أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ عظيمة جالبة موجبة لنزول انواع العذاب والنكال بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ اى بشؤم ما اقترفوا من المعاصي فَيَقُولُوا حينئذ محتجين علينا مجادلين بنا بعد ما

<<  <  ج: ص:  >  >>