للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حسد لهما قارون وأنكر جاههما اتكاء بما عنده من الدفائن والكنوز فقال يوما لموسى لك الرسالة والنبوة ولأخيك الحبورة وانا في غير شيء الى متى اصبر فَبَغى عَلَيْهِمْ وقصد مغالبتهم وَما ذلك الا ان قد آتَيْناهُ وأعطينا له مكرا عليه وافتنانا له مِنَ الْكُنُوزِ اى الأموال والامتعة التي قد عهد ادخارها من الذهب والفضة وغيرهما وقد بلغت أمواله وخزائنه من الكثرة الى ما إِنَّ مَفاتِحَهُ اى الى حد ومرتبة قد كان مفاتح أقفال أبواب مخازنه وأقفال الصناديق الموضوعة فيها المختومة المقفولة لَتَنُوأُ وتثقل من الكثرة بِالْعُصْبَةِ بالجماعة الكثيرة من الحفظة أُولِي الْقُوَّةِ والقدرة أقوياء على حمل الأثقال جدا وقد كان مفتخرا بها بطرا فرحانا يمشى على وجه الأرض خيلاء اذكر وقت إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ اى بعض من أقربائه وقرنائه بعد ما قد أبصروا بطره المفرط ردعا له وتشنيعا عليه وحثا له على الانفاق والصرف في سبيل الخيرات وبناء المبرات لا تَفْرَحْ بما عندك من الزخارف الفانية يا قارون فإنها عن قريب سيفوت وأخرج حبها من قلبك إِنَّ اللَّهَ المطلع الغيور لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ من عباده سيما بحطام الدنيا ومزخرفاتها الملهية عن اللذات الروحانية

وَابْتَغِ واطلب وترقب واكسب فِيما آتاكَ اللَّهُ المنعم المفضل من الرزق الصوري الزائل الغير القار الدَّارَ الْآخِرَةَ وما فيها من الرزق المعنوي القار المستمر في دار القرار وذلك لا يحصل لك الا بإنفاق ما في يدك من الرزق الصوري في سبيل الله لفقراء الله طلبا لمرضاته بلا شوب المن والأذى وبصرفها الى سد الثغور وبناء المساجد والقناطير والخانات وغير ذلك من بقاع الخيرات والمبرات من الأمور المتعلقة بمصالح عموم العباد من التسهيل عليهم ورفع العسرة عنهم وَان أردت ان تكون من اهل الثروة والجاه المخلد في النشأتين لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا ألا وهو اجتهادك ان تتمكن في مرتبة الخلافة والنيابة الإلهية بمقتضى كريمة وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه الآية إذ العبد وما في يده انما هو لمولاه واعلم يقينا ان التصرفات الحادثة في عالم الكون والفساد انما هي مستندة الى الله أولا وبالذات وَبعد ما قد علمت ان حظك ونصيبك ما هو من الدنيا وما معك وليس قرينك منها في أخراك الا الإحسان والانفاق أَحْسِنْ مما قد جعلك الحق خليفة عليه ونائبا كَما أَحْسَنَ اللَّهُ المنعم المحسن إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ ولا تطلب بحال من الأحوال الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ اتكالا على ما في يدك من أسبابه التي هي الأموال المؤدية الى اصناف الفسادات وارتكاب انواع المحظورات والمنكرات إِنَّ اللَّهَ المطلع على عموم احوال عباده لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ منهم سيما بمظاهرة حطام الدنيا الدنية وبعد ما قد سمع قارون منهم المواعظ والتذكيرات المتعلقة بإصلاح حاله النافعة له في النشأة الاولى والاخرى اعرض عنهم وانصرف عن مقالتهم عتوا واستكبارا حيث

قالَ متعظما بشأنه مستبدا برأيه إِنَّما أُوتِيتُهُ يعنى ما أوتيت عموم ما أوتيت من الرزق الصوري الا عَلى عِلْمٍ حاصل عِنْدِي يعنى منشأ اجتماع الأموال على وحصولها عندي اتصافى بعلم كامل كافل موجب لحصولها وتحصيلها وبالجملة ما هي وجمعها الا بحولي وقوتي وعلمي بطرق تحصيلها وانما قال ما قال بطرا واستغناء وكبرا وخيلاء قيل انه عالم بعلم الكيمياء قال سبحانه ردا عليه على سبيل التعيير والتقريع أَيتفوه ويقول هذا الطاغي الباغي الهالك في تيه الغي والضلال أمثال هذه الخرافات وَلَمْ يَعْلَمْ بالتواتر وبمطالعة كتب التواريخ ومن القصص المثبتة في التوراة أَنَّ اللَّهَ المتعزز برداء العظمة والكبرياء قَدْ أَهْلَكَ واستأصل كثيرا مِنْ قَبْلِهِ مِنَ اهل الْقُرُونِ الماضية مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً

<<  <  ج: ص:  >  >>