للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاحضروها فاحضروها فناشدها موسى بالله الذي قد فلق البحر وانزل التوراة ان تصدقي أيتها المرأة فقالت بإلقاء الله في قلبها كرامة لموسى وتنزيها له عما لا يليق بشأنه وتفضيحا لقارون يا نبي الله ان قارون جعل لي جعلا كذا على ان أرميك بنفسي فخر موسى ساجدا وقال في سجدته الهى ان كنت نبيك ورسولك فانصرني واخذل عدوى فأوحى الله عليه في سجدته ان مر الأرض ان شئت فتجيبك يا موسى فرفع رأسه من سجدته مرتعدا غيورا غضبانا فقال يا ارض خذيه فابتلعته على الفور الى ركبته فأخذ يتضرع يا موسى ارحمني فانا حميمك وقرابتك ثم قال موسى مغاضبا على الأرض خذيه فأخذته الى وسطه فزاد في تضرعه وتفزعه ثم قال خذيه فأخذته الى عنقه فتضرع وصرخ نحو موسى من أول اخذه الى خسفه سبعين مرة لم يرحم عليه ثم قال خذيه فخسفت به وطبقت عليه فلم يرحمه موسى حتى عاتبه سبحانه بقوله ما افظك وما أبغضك يا موسى حتى استرحم منك فلم ترحمه ولم ترعه فو عزتي وجلالي لو دعاني مرة لأجبته وبعد ما خسف قارون قال بنو إسرائيل انما قتله ليرث أمواله فاشعر به فأمر الأرض بخسف داره وأمواله وخزينته بحيث لم يبق من منسوباته شيء على وجه الأرض فَما كانَ لَهُ حينئذ مِنْ فِئَةٍ وأعوان وأنصار يَنْصُرُونَهُ ويدفعون عذاب الله عنه مِنْ دُونِ اللَّهِ القادر المقتدر على دفع أمثاله والحال انه هو برىء من الله لذلك لم يلتجئ اليه ولم يتضرع نحوه حين أخذت الأرض إياه وَلذلك ما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ الممتنعين من العذاب لا بنفسه ولا بمعاونيه وانصاره

وَبعد ما قد خسف قارون بشؤم أمواله التي قد جعلها وسيلة الى انواع الفسادات من جملتها رمى كليم الله وأخلص رسله بالزنا التي هي بعيدة بمراحل عن طهارة زيله ونجابة طينته إذ معاشر الأنبياء كلهم معصومون عن الكبائر مطلقا قد أَصْبَحَ وصار الفقراء الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ ومنزلته بِالْأَمْسِ اى في الزمان الذي هو اقرب زمان بخسفه متحسدين بما عنده من التوراة والجاه أخذوا يَقُولُونَ متمنين على عكس ما قد تمنوا في الزمان السابق متعجبين من كمال علم الله ومتانة حكمته قائلين كل منهم لصاحبه وَيْكَأَنَّ المعنى على الانفصال بين ويك وان والاتصال بينهما انما هو بمتابعة المصحف يعنى ويل لك وهلاكك لازم عليك بمتمناك الذي قد تمنيته بالأمس واعلم ان اللَّهَ الحكيم المتقن في عموم أفعاله يَبْسُطُ الرِّزْقَ بمقتضى حكمته لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بمقتضى استعداداتهم وَيَقْدِرُ ويقبض عمن يشاء ايضا على وفق قابليته وما لنا اطلاع على احاطة علمه ومتانة حكمته لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ المصلح لمفاسدنا عَلَيْنا بمنعنا عن متمنانا لَخَسَفَ بِنا ايضا من شؤم مبتغانا ومتمنانا مثل ما قد خسف بذلك الطاعى المغرور وانما من سبحانه علينا بما من سبحانه لايماننا به سبحانه واخلاصنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ ولا يصلح أحوالهم وأعمالهم وهم لا يفوزون بالنجاة من عذابه سبحانه بل يوقعهم سبحانه على ما يوقعهم في عذابه افتنانا فيه إياهم وانتقاما لهم. ثم قال سبحانه تبشيرا للمؤمنين المتواضعين وتنشيطا للمتقين الموقنين

تِلْكَ الجنة التي قد سمعتم ايها المؤمنون الموقنون وصفها وبلغكم نعتها وخبرها في كتب الله والسنة رسله وأنبيائه وأوليائه المنكشفين بها الفائزين بمقاماتها بما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر التي هي مقر ارباب المحبة والولاء الباذلين مهجم في سبيل الفناء ليصلوا الى دار البقاء هي هذه الدَّارُ الْآخِرَةُ المعهودة الموصوفة بهذه الصفات المعروفة المشهورة بها إذ لا مقر لأهل الحق سواها لذلك سمينا بها نَجْعَلُها بمقتضى فضلنا وجودنا مقرا لِلَّذِينَ اى للمؤمنين الموحدين الذين لا يُرِيدُونَ من كمال حلمهم وعلمهم

<<  <  ج: ص:  >  >>