للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسانهم ويظهره بيانهم قد ظنوا انهم لا يُفْتَنُونَ ولا يمتحنون ولا يجربون بل والله لنبلونهم ولنختبرنهم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات حتى ظهر إخلاصهم ولاح اعتقادهم في جميع ما آمنوا فيترتب خلاصهم حينئذ على إخلاصهم

وَليس افتتاننا واختبارنا إياهم ببدع منا بل لَقَدْ فَتَنَّا وامتحنا القوم الَّذِينَ مضوا مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم السالفة مع انهم قد يدعون الايمان ويتفوهون به أمثالهم ومع ذلك لم نتركهم عبثا سدى بلا ابتلاء منا إياهم واختبار لهم وليس اختبارهم وامتحانهم الا لإظهار محبتنا البالغة عليهم والا فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ المطلع على ضمائر عباده وسرائرهم وليميزن حسب علمه الحضوري المؤمنين الموقنين الَّذِينَ صَدَقُوا منهم وأخلصوا في ايمانهم وَايضا لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ منهم وهم الذين لا يخلصون مع الله في حال من الأحوال وعمل من الأعمال ولا يسمعون أوامر الله ونواهيه من السنة رسله سمع قبول ورضا وانما أرادوا بايمانهم الظاهر الذي قد أتوا به على سبيل الكراهة والمراء إسقاط لوازم الكفر من حقن الدماء وسبى الذراري ونهب الأموال والافهم ليسوا ممن يذعنون بدلائل التوحيد وبراهين الايمان عن صميم قلوبهم ظنا منهم انا غافلون عن بواطنهم ونياتهم

أَمْ حَسِبَ بل ظن المسرفون المفرطون الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ مصرين عليها مبالغين في إتيانها أَنْ يَسْبِقُونا ويفوتوا عنا جزاء ما عملوا ويسقطوا عن حسابنا ما أتوا به من المعاصي والآثام عنهم بالفعل وبالجملة قد ساءَ ما يَحْكُمُونَ علينا وينسبون إلينا حكمهم هذا ونسبتهم هذه أعاذنا الله وعموم عباده عن أمثال هذه الظنون الفاسدة بالنسبة اليه سبحانه وما كل ذلك الا عن جهلهم بالله وبمقتضى علو شأنه وعزة سلطانه وانكارهم بلقائه والوقوف عند يديه والا

مَنْ كانَ يَرْجُوا ويأمل لِقاءَ اللَّهِ المتجلى على الأكوان حسب أسمائه العلية وصفاته السنية ويترصد مترقبا ان ينكشف له ما هو الموعود من لدنه سبحانه من الدرجات العلية والمقامات السنية حال كونه متأدبا بالآداب المنزلة من عنده بوساطة أنبيائه ورسله متحملا على متاعب التكاليف ومشاق الطاعات المفروضة المشروعة له مترقبا للانكشاف والشهود راجيا لقياه سبحانه بلا يأس وقنوط فاز بمبتغاه على الوجه الذي وعد بعد ما وفقه الحق وجذبه الى نفسه فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ الذي قد وعده لعباده الخلص من ان يشرفهم بشرف لقائه لَآتٍ جاء حالّ نازل بلا شك وارتياب وَكيف لا يشرفهم سبحانه بمطالعة وجهه الكريم سيما بعد ما وعدهم إذ هُوَ السَّمِيعُ بمناجاتهم الْعَلِيمُ بحاجاتهم التي هي الفوز بشرف اللقاء والوقوف عند سدرة المنتهى والتدلي الى مقام دنى فتدلى فكان قاب قوسين او ادنى

وَمَنْ جاهَدَ واجتهد في الوصول الى ما ذكر من المقام المحمود وسعى في حصول الموعود المعهود الذي هو مرتبة الكشف والشهود فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إذ نفع جهاده وجهده انما يعود اليه وهو واصل الى منتهى مطلوبه بعد ما كان مستكملا طالبا إِنَّ اللَّهَ المنزه عن مطلق الطلب والاستكمال المبرأ عن عموم الترقب والانتظار لَغَنِيٌّ في ذاته عَنِ الْعالَمِينَ وعن مطلق طاعاتهم وعباداتهم ورجوعهم اليه وتوجههم نحوه. ثم قال سبحانه حثا لعموم عباده على التوجه نحو بابه ليفوزوا بما وعدوا وينالوا بما قد أعد لهم من الحسنات والدرجات

وَالَّذِينَ آمَنُوا بالله وأخلصوا في ايمانهم وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ المشعرة المؤيدة لإخلاصهم بلا شوب الهوى والرياء وعموم الرعونات أصلا لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ ولنمحون عن صحف أعمالهم عموم سَيِّئاتِهِمْ التي قد جاءوا وقت جهلهم وضلالهم وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ولنعاملن معهم

<<  <  ج: ص:  >  >>