للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاشركونا فيما نلتم من الغنيمة وأعطونا قسمنا وسهمنا منها وهم ما يقصدون بقولهم هذا الا التغرير والتلبيس على المؤمنين بل على الله ايضا بزعمهم لذلك قال سبحانه مستفهما مستنكرا أَتعتقدون التلبيس والتشبيه علينا ايها الجاهلون بعلو شاننا وَلَيْسَ اللَّهُ المتجلى على عموم ما ظهر وما بطن في الأكوان غيبا وشهاة بِأَعْلَمَ بعلمه الحضوري بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ بل بما في استعداداتهم وقابلياتهم الفطرية التي قد كانوا عليها في حضرة علمنا ولوح قضائنا حيث لم يكونوا شيأ مذكورا وان كان شأنهم ايضا كذلك الآن عند من له ادنى حظ من المعرفة واليقين

وَالله لَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ المطلع لضمائر عباده وليميزن الَّذِينَ آمَنُوا بالله وبذلوا جهدهم في سبيله وليظهرن إخلاصهم ورسوخهم على الدين وتمكنهم واطمئنانهم في مرتبة اليقين بعد ما أمرهم بالجهاد والقتال الصوري والمعنوي وَلَيَعْلَمَنَّ وليظهرن ايضا كيد الْمُنافِقِينَ ومكرهم وتقاعدهم عن القتال واحتيالهم في التخلف عن المؤمنين

وَمن جملة مكرهم واحتيالهم مع المؤمنين وخداعهم إياهم قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا قاصدين اضلالهم عن الطريق الحق وانصرافهم عن الدين المستبين اتَّبِعُوا ايها الحمقى المتذللون في أيدينا سَبِيلَنا واختاروا طريقنا الذي كنا عليه من عبادة الأوثان والأصنام التي هي دين آبائنا وديدنة أسلافنا وَان خفتم بمقتضى زعمكم من أثقال ذنوبكم يوم العرض والجزاء لْنَحْمِلْ نحن أثقال خَطاياكُمْ عنكم حينئذ فتصيروا يومئذ مخففين بلا وزر وذنب وَبالجملة انما قالوا لهم هكذا تغريرا عليهم وتضليلا لهم واستهزاء والافهم هم المنكرون بالآخرة وبجميع ما فيها من الوعيدات الهائلة والإنذارات البليغة وهم وان فرض انهم قد اعتقدوا النشأة الاخرى وما فيها ما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ اى شيأ قليلا من خطاياهم لدى الحاجة فكيف بجميعها وبالجملة إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ في عموم مواعدهم وعهودهم إذ الكل لا يطابق اعتقادهم ولا الواقع إذ لا تحمل يومئذ نفس وازرة وزر نفس اخرى كذلك كل نفس لاقية ما كسبت حاملة ما اقترفت عدلا منه سبحانه ولهذا قال سبحانه مقسما

وَالله لَيَحْمِلُنَّ حينئذ أَثْقالَهُمْ وخطاياهم التي قد اقترفوها بأنفسهم بل وَنزيد عليها أَثْقالًا أخر حاصلة من اضلالهم وتضليلهم عباد الله منضمة مَعَ أَثْقالِهِمْ الاصلية وَالله مع تلك الأثقال على الأثقال لَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ على الله من اثبات الشريك له في الوجود والتحقق وفي استحقاق العبادة وعن نسبتهم اليه سبحانه ما لا يليق بشأنه افتراء ومراء ثم ذكر سبحانه نبذا من احوال اهل الضلال والإضلال من المفترين الذين مضوا في سالف الزمان تسلية لرسول الله وازالة للحزن الذي قد لحقه صلّى الله عليه وسلم من تمادى المشركين في الغفلة والفساد ومن تطاولهم في الغي والعناد فقال

وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ وقت إذ ظهر فيهم انواع الفسوق والجدال واصناف الغي والضلال فَلَبِثَ فِيهِمْ وتحمل على مشاق دعوتهم وانواع أذاهم أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فهم كانوا يضربونه ويشتمونه وينسبونه الى الجهل والجنون والخرق والخرف وانواع الاستخفاف والاستحقار ومع ذلك لم يتقاعد عن دعوتهم ولم ينزجر عن زواجرهم بل كان يبلغهم ما امره الحق بتبليغه من الآيات الظاهرة والمعجزات الباهرة وهم من شدة شكيمتهم وخباثة طينتهم لم يزيدوا من سماعها الا تعنتا واستكبارا وعتوا واغترارا وإصرارا على ما هم عليه من الكفر والجحود وبعد ما قد استحقوا أشد العذاب وأسوأ النكال فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ حين خرج الماء من التنور المعهود وطاف عليهم فأغرقهم واستأصلهم

<<  <  ج: ص:  >  >>