للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما لم يبالوا بتكذيب أممهم إذ ما عَلَى الرَّسُولِ المبلغ المرسل من عند الله الى قوم إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ اى تبليغ ما أرسل به مكشوفا ظاهرا بلا سترة وحجاب وبلا زيادة ولا نقصان واما امر القبول والامتثال بالمأمور فوض الى مشية الله وارادته وقدرته له ان يتصرف في عباده بان يجعل الكافر الجاحد مؤمنا مطيعا والمطيع المؤمن كافرا نافيا للصانع العياذ بالله من سخطه وغضبه فالكل مقدور له مثبت في لوح قضائه حاضر في حضرة علمه المحيط لا يسأل عن فعله وحكمه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد

أَوَلَمْ يَرَوْا اى كمال قدرته ومتانة حكمه وحكمته كَيْفَ يُبْدِئُ اى يبدع ويظهر اللَّهُ القادر المقتدر الْخَلْقَ اى عموم المخلوقات والموجودات من كتم العدم بلا سبق مادة ومدة ثُمَّ يُعِيدُهُ ويعدمه كما ابدأه وأظهره بمقتضى النشأتين نزولا وعروجا هبوطا وصعودا ظهورا وبطونا مدا وقبضا نشرا وطيا لطفا وقهرا جلالا وجمالا إِنَّ ذلِكَ التبديل والتحويل عَلَى اللَّهِ المتجلى في الأكوان في كل آن وبكل شأن يَسِيرٌ إذ لا يعرضه العسر والفتور ولا يعتريه العجز والقصور ولا يبرمه مر الدهور وكر الشهور وان أنكروا لك ولم يقبلوا منك تنويرك الذي جئت به

قُلْ لهم يا أكمل ذوى الحكم والخلة سِيرُوا فِي الْأَرْضِ سير معتبر خبير فَانْظُرُوا بنظر الاعتبار والاستبصار كَيْفَ بَدَأَ واظهر الله العليم الحكيم الْخَلْقَ في اقطار الآفاق وكيف نشرهم فيها وبسطهم عليها بامتداد اظلال أسمائه وعكوس صفاته ثُمَّ اللَّهُ القادر المقتدر على كل ما أراد وشاء بالاختيار والاستقلال يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ المقابلة لنشأة الظهور والإبداء الا وهي نشأة الكمون والإخفاء والفناء والافناء بان قبض سبحانه حسب قهره وجلاله جميع ما مد من الاظلال وطوى نحوه عموم ما نشر من الآثار المترتبة على الأوصاف والأسماء الذاتية الإلهية إِنَّ اللَّهَ المتردي برداء العظمة والكبرياء عَلى كُلِّ شَيْءٍ من مقدوراته ومراداته قَدِيرٌ لا ينتهى قدرته عند مقدور بل له ان يتصرف فيه كيف شاء ومتى أراد ازلا وابدا ومن كمال قدرته ومقتضى حكمته ومشيته

يُعَذِّبُ من عباده مَنْ يَشاءُ تعذيبه بلا سبق اسباب عادية حسب قهره وجلاله وَيَرْحَمُ مَنْ يَشاءُ برحمته الواسعة ايضا كذلك بمقتضى لطفه وجماله وَكيف لا يرحمهم سبحانه مع انه لا ملجأ لهم دونه ولا مرجع لهم سواه إذ إِلَيْهِ لا الى غيره ولا غير في الوجود معه تُقْلَبُونَ انقلاب الزبد هواء والأمواج ماء

وَبعد ما ثبت ان منقلبكم اليه ومرجعكم نحوه فعليكم الإطاعة والايمان بالله وبوحدانيته طوعا بلا تذبذب وتلعثم إذ ما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ معاجزين الله المنتقم الغيور عن اخذكم ودرككم ما دمتم فِي الْأَرْضِ ولو تحصنتم فيها بقلاع حصينة وبروج مشيدة متينة وَلا فِي السَّماءِ ايضا لو تصعدتم إليها وترقيتم نحوها إذ الكل في قبضته وتحت قدرته بحيث لا يخفى عليه شيء لا في الأرض ولا في السماء وَبالجملة ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ المبدئ المعيد المحيي المميت مِنْ وَلِيٍّ يتولى أموركم بالاستقلال ويتصرف فيكم بالإرادة والاختيار وَلا نَصِيرٍ ينصركم على أعدائكم ويدفع ضررهم عنكم.

ثم قال سبحانه حثا لهم الى الايمان وترغيبا لهم الى التوحيد والعرفان

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وكذبوا بِآياتِ اللَّهِ الدالة على عظمة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته وَلِقائِهِ اى أنكروا بلقاء الله الموعود المعهود لأرباب الكشف والشهود أُولئِكَ البعداء المطرودون عن ساحة عز القبول هم الذين قد يَئِسُوا وقنطوا مِنْ رَحْمَتِي مع وسعتها ووفورها وَأُولئِكَ الأشقياء

<<  <  ج: ص:  >  >>