للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المردودون المترددون في تيه الغفلة والغرور لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في النشأة الاولى والاخرى بحيث لا يرجى نجاتهم وخلاصهم منه أصلا وبعد ما قد بالغ الخليل الجليل صلوات الرحمن عليه وسلامه في الدعوة والإرشاد وأيد دعوته بأنواع المواعظ والتذكيرات واصناف الرموز والإشارات ونبذ من الوعيدات الهائلة والإنذارات المهولة رجاء ان يتنبهوا منها ويتفطنوا بها على ما هو الحق الحقيق بالاطاعة والاتباع

فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ بعد استماعهم بمقالاته تفصيلا إِلَّا أَنْ قالُوا متفقين مجتمعين اقْتُلُوهُ حدا فانه قد اعرض عن دينكم وانصرف عن آلهتكم وشفعائكم أَوْ حَرِّقُوهُ فانه حرى بالإحراق لعظم جرمه وكبر ذنبه وبعد ما اتفقوا على إحراقه أوقدوا نارا عظيمة بحيث لا يمكن التقرب نحوها الا من مسافة بعيدة فوضعوه في المنجنيق فرموه بها إليها فَأَنْجاهُ اللَّهُ المراقب عليه المطلع على إخلاصه فأخلصه مِنَ النَّارِ سالما بل قد جعلها له بردا وسلاما وبالجملة إِنَّ فِي ذلِكَ الإنجاء والانقاذ مع ان طبع النار انما هي على الإحراق والافناء لَآياتٍ عظاما ودلائل جساما دالة على كمال قدرة الله ومتانة حوله وقوته لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ بوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته إذ هم المنتفعون بأمثال هذه الشواهد الساطعة والبراهين القاطعة

وَبعد ما أنجاه الله منها وأيس من ايمان قومه قالَ لهم موبخا عليهم موعدا لهم بوحي الله والهامه إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ وأخذتم مِنْ دُونِ اللَّهِ المتوحد بالالوهية والربوبية أَوْثاناً وسميتموهم أنتم من تلقاء انفسكم آلهة لتكون أسبابا لكم توجب مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ وتوقع المحبة والمواخاة بين أظهركم فِي الْحَياةِ الدُّنْيا بان تجتمعوا عندها وتعكفوا حولها وتتقربوا عندها بالهدايا والقرابين ثُمَّ اعلموا ايها الضالون المنهمكون في بحر الغفلة والضلال والتائهون في تيه الجهل بالله وقدر حوله وقوته وقدرته انكم وان اتفقتم في شأنكم هذا على الايمان بهؤلاء الهلكى المنحطين عن درجة الاعتبار وتتألفون بسببها في الحيوة الدنيا الا انكم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة للعرض والجزاء وحساب عموم ما صدر عنكم في نشأة الابتلاء يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ يعنى يقع التناكر والتخاصم بينكم فيكفر بعضكم بعضا وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً إذ كل منكم ومن معبوداتكم تتلاعنون وتتخاصمون حال كونكم متبرئين إذ كل منكم متبرئ عن صاحبه تابعا ومتبوعا عابدا ومعبودا وَبالجملة مَأْواكُمُ النَّارُ ومرجعكم إليها بل أنتم وآلهتكم جميعا خالدون فيها لا نجاة لكم منها لا بأعمالكم وأفعالكم ولا بنياتكم وإخلاصكم فيها وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ليشفعوا لكم وينقذوكم منها بشفاعتهم وبعد ما قد أنجى سبحانه خليله صلوات الرحمن عليه وسلامه من النار وخرج منها سالما سويا بلا طوق ضرر وطريان الم

فَآمَنَ لَهُ ابن أخته لُوطٌ عليه السلام وهو أول من آمن له وأنكره غيره ونسبوه الى السحر والشعبذة وانواع الخرافات وَبعد ما ايس عن ايمان قومه وصلاحهم قالَ ابراهيم للوط ولزوجته سارة ابنة عمه إِنِّي بعد ما قد أيست عن ايمان هؤلاء الجهلة الضالين ونجوت عن مكرهم ومكائدهم بعون الله ولطفه وجوده مُهاجِرٌ متبعد عنهم إِلى ارض قد أمرني رَبِّي بالهجرة إليها واوحانى ان اذهب نحوها فعلىّ ان امتثل بامره سبحانه وامضى على موجب حكمه ووحيه إِنَّهُ سبحانه في ذاته وأسمائه وأوصافه وأفعاله هُوَ الْعَزِيزُ الغالب القادر على عموم ما قد جرى عليه مشيته وقضاؤه الْحَكِيمُ المتقن في جميع ما صدر عنه ارادة واختيارا

وَبعد ما قد خرج عليه السلام من سواد الكوفة مع لوط وزوجته وصل

<<  <  ج: ص:  >  >>