للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولوازمه وموجباته

يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ ظنا منهم ان ما هم عليه انما هو من موجبات الثواب واسباب النجاة والجنة بل هو عينهما إذ لا ايمان لهم بالنشأة الاخرى وما فيها وَكيف لا يعذبون في النشأة الاخرى ولا يدخلون النار إِنَّ جَهَنَّمَ المعدة الموعودة لهم فيها لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ محتوية عليهم الآن في النشأة الاولى ايضا باعتبار احاطة اسبابها وموجباتها التي هي سلاسل الأماني والآمال الامكانية المحيطة لهم دائما في عموم أوقاتهم وحالاتهم في النشأة الاولى المستجلبة لهم دركات النيران واودية الحرمان والخذلان في النشأة الاخرى اذكر لهم يا أكمل الرسل

يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ في الآخرة كغشى الأسباب التي هي عبارة من لوازم الإمكان إياهم اليوم الى حيث صاروا محفوفا بها مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ اى من أعلاهم واسفلهم محيطا بجميع جوانبهم وَيَقُولُ لهم حينئذ قائل من قبل الحق زجرا لهم وتوبيخا ذُوقُوا ايها المستكبرون المصرون على الكفر والعناد جزاء ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ايها المعاندون المكابرون. ثم قال سبحانه على سبيل التعليم والتنبيه مناديا لخلص عباده الذين جل هممهم الإخلاص في عموم ما جاءوا به من الأعمال

يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا

أضافهم سبحانه الى نفسه تفضيلا وتكريما مقتضى ايمانكم الإخلاص والحضور معى والتوجه الى مع فراغ البال في كل الأحوال فان لم تجدوا الفرصة والفراغة المذكورة في ارض لا تستقروا فيها ولا تتمكنوا عليها بل عليكم ان تفروا وتخرجوا منها طالبين الجمعية والحضور إِنَّ أَرْضِي

مقر عبادي وعبادتي واسِعَةٌ

فان لم تجدوا لذة التوجه وحلاوة الرجوع الى في ارض ولم يتيسر لكم الجمعية الحاصلة المنعكسة من صفاء مشرب التوحيد ومن عالم العماء المفضى الى التجريد والتفريد فعليكم الخروج والجلاء منها وبالجملة فَإِيَّايَ

في عموم الأماكن والأحوال فَاعْبُدُونِ

عبادة مقارنة بالإخلاص والخضوع والخشوع والتبتل والتوكل والتفويض والرضاء والتسليم ولا تغتموا ولا تتحزنوا بالخروج عن الأوطان المألوفة والبلدان المأنوسة والبيوت الموروثة وبالجلاء منها خوفا من الموت الطبيعي ان كنتم مائلين إلينا راغبين نحونا مؤملين الفناء فينا والبقاء ببقائنا والفوز بشرف لقائنا إذ

كُلُّ نَفْسٍ من النفوس المستحدثة بحدوث البدن ذائِقَةُ كأس الْمَوْتِ الطبيعي في اى مكان كان ثُمَّ بعد ما قد ذقتم حلاوة كأس الموت الإرادي ولذة الفناء الاختياري فقد خلصتم عن قيود الهويات العدمية المانعة عن الإطلاق الحقيقي فحينئذ إِلَيْنا لا الى غيرنا إذ لا موجود في فضاء الوجود سوانا تُرْجَعُونَ رجوع الأضواء الى الذكاء والأمواج الى الماء

وَبعد ما رجع الموحدون الَّذِينَ آمَنُوا بالله موقنين وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مقارنين ايمانهم بها مخلصين فيها إلينا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ وننزلنهم تفضلا منا إياهم وتكريما مِنَ الْجَنَّةِ وفضاء الوحدة المعدة لأرباب المعرفة والتوحيد غُرَفاً اى لكل منهم غرفة معينة تصير له مقرا ومنزلا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ اى انهار المعارف والحقائق مملوة بمياه المكاشفات والمشاهدات على تفاوت طبقاتهم وقدر قابلياتهم خالِدِينَ فِيها دائمين غير متحولين عنها أصلا وبالجملة نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الجنة وما فيها مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ألا وهم أولو العزائم الصحيحة

الَّذِينَ صَبَرُوا على عموم مشاق التكاليف الإلهية ومتاعب الطاعات واذيات الأعادي والجلاء عن الأوطان ومفارقة الأقران والخلان وغير ذلك مما جرى عليهم من طوارق الحدثان ومن تجدد الملوان وَمع ذلك هم في جميع حالاتهم وفي عموم ما جرى عليهم من المحن والمنح والترح

<<  <  ج: ص:  >  >>